كتاب قصائد إلى المرأة !

تأليف: حسني أدهم جرار - رحمه  الله -

لم يكن الأدب بعيدا في هذا العصر عن ميدان الأهتمام بالمرأة ، ففي عصرنا الحديث برز عدد من الكتاب و الأدباء ممن تتلمذوا على الفكر الغربي وتربوا على موائده ،وأخذوا يدعون إلى تقليد الغرب ، والأخذ بحضارته خيرها وشرها ،وينادون بخروج المرأة عن طبيعتها ، و الانغماس في التقليد الذي يخرجها عن فطرتها وأصالتها ! !

وامام هذا الخطر قام علماء الإسلام وأدباؤه بتوجيه المرأة إلى فضائل الإسلام ، ومزايا التمسك بأخلاقه وآدابه ، وتحذيرها من مؤامرات أصحاب الشهوات الذين يدعون إلى الخروج عن الفضيلة . وكان للشعراء الإسلاميين دورهم المتميز ، فنظموا القصائد التي تشيد بالمرأة المسلمة الملتزمة بأخلاقها , والمحافظة على حشمتها . ونعوا على المرأة التائهة خديعتها وتقليدها لمفاتن الغرب وأخلاقه ، وحاولوا الأخذ بيدها وعودتها إلى حظيرة الإسلام .

 وقد قام المؤلف باختيار مجموعات من هذه القصائد التي تدور حول المرأة، وقدمها إلى القراء من خلال الأفكار التي وردت فيها ، فلم يكن الكتاب مجرد اختيارات شعرية جميلة على الرغم من الذوق الأدبي الرفيع في الاختيار من خلال اثنتين وعشرين قصيدة لثمانية عشر شاعراً فقسم المؤلف كتابه إلى أربعة أقسام :

اختص الأول منها بقصائد إلى المرأة التائهة ’

والثاني : بقصائد إلى المرأة المجاهدة .

والثالث : بقصائد في توجيه المرأة .

والرابع :بقصائد في الحب العفيف .

وأما الشعراء الذين اختار لهم فقد جمع أكثرهم بين موهبة الشعر والدعوة إلى الإصلاح ، والوقوف أمام المد الغربي متسلحين بالكلمة الطيبة النابضة بالصدق والموضوعية ، فكان أبرز هؤلاء شاعر الأقصى يوسف العظم ، وعميد الشعر الإسلامي عمر بهاء الأميري ، وشاعر الجيل المسلم عبد الرحمن العشماوي ، والشاعر المجاهد وليد الأعظمي ،والداعية المصابر عصام العطار ، وشاعر الملحمة الإسلامية أحمد محرم ، والشاعر الشهيد هاشم الرفاعي:

وإننا إذ نكتفي ببعض القطوف نكون كمن دخل حديقة غناء ، كلما وقف على زهرة شده شذا زهرة أخرى ! فجعل يقف هنا وهناك لايدري أي الزهرات أزكى عطرا وأكثرها شذ ى !

 فمن القسم الأول (قصائد إلى المرأة التائهة ) تستوقفنا قصيدة أحمد العجمي " عجوز تتصابى " تحكي قصة امرأة تاهت في خضم الحياة ، نبذها المجتمع بعد أن ذوى شبابها ، وغار ماء رونقها :

ياعجوزا تتصابى رحم الله الشبابا

 إن ماء الحسن أضحى في محياك سرابا

 فانطوى الحسن و ولى وغدا التبر ترابا

 قد مشى الدهر عليه بالمقادير صعابا 

فاصبغي ماشئت هذا الوجه ألوانا كِذابا

 فالتجاعيد عليه لسن يخطئن الحسابا

 وفي قسم ( قصائد إلى المرأة المجاهدة ) كانت قصيدة الأستاذ عصام العطار في رثاء زوجته "بنان علي الطنطاوي " التي اغتالها المجرمون عصابة آل أسد الباطنية في منزلها بألمانيا عام 1981 م ، حيث يقول :

"بنان " يا جبهة الإسلام دامية

 ما زال جرحك في قلبي نزيف دم

بنان ، يا صورة الإخلاص رائعة

 ويا مثال الفدى والنبل والكرم

بنان ، يا أنس أيامي التي انصرمت

 وليس يومك في قلبي بمنصرم

ويا رفيقة دربي ، والدّنا ظلم

 نشق درب الهدى في حالك الظلم

ويا وقائي إذا ما كنت في خطر

 ويا يميني ويا سيفي ويا قلمي

 وفي قسم ( قصائد في توجيه المرأة ) يقف أحمد محرم شامخا كما هو في شعره ! ففي الوقت الذي وجد فيه دعوة قاسم أمين إلى السفور صدى لها عند بعض الشعراء كالزهاوي الذي يقول :

 مزقي يا ابنة العراق الحجابا واسفري فالحياة تبغي انقلابا

 تصدى أحمد محرم لقاسم أمين يفضح دعوته المريبة قائلا :

أغرك يا أسماء ما ظن ( قاسم )

 أقيمي وراء الخدر، فالمرء واهم

 تضيقين ذرعا بالحجاب ، وما به

 سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعم

سلام على الأخلاق في الشرق كله أ

 إذا ماستبيحت في الخدور الكرائم

أ( قاسم ) لا تقذف بجيشك تبتغي

 بقومك والإسلام ما الله عالم

 وفي مقدمة ضافية لقسم (قصائد في الحب العفيف ) يبين المؤلف فيها المعنى الاصيل للحب ، ومكانته عند العلماء ، والحب بين الشعراء الإسلاميين وشعراء الجمال الحسي 0 فنقف عند هذه الأبيات التي يصور فيها الشاعر( سعيد تيم ) الصراع الذي يتعرض له الإنسان ، وقد تجاذبته الشهوة والسمو :

 أنا لست قديسا تعامى عن غوايات النساء

أنا لست روحا خالصا يسمو لتسبح في الفضاء

قد يصرخ الحيوان في جسدي ظمي الاشتهاء

لكنما الإنسان في نفسي يعف عن البغاء

أنا من تراب ، حفنة لكنما جبلت ضياء

 للجسم لذات تموت ، وللفؤاد بلا انتهاء

وإذا كان الشعراء قد أمتعونا ونحن نستمع إلى خفقات قلوبهم ، وسمو مشاعرهم فإن مؤلف الكتاب استطاع أن ينظم هذه الدرر بحيث تبدو كل لؤلؤة وزبرجدة بالشكل الذي يبرز محاسنها ، وهكذا صنع المؤلف حين هيأ للقصائد جواء تناسبها وضم المثيل إلى المثيل مع تنوع في المعاني والأفكار ، لتصب جميعا في غاية واحدة ، ذلك انها قصائد كتبت ابتداء للمرأة كما هي -حقيقة - سكن الرجل ، وعونه في الحياة ، وذخره الذي يحوطه بالمودة والرحمة ! لا كما يعرفها شعراء النهود والشهوات ؟ !

وقد جاء الكتاب في 144 صفحة من القطع الكبير ، قي سلسلة (المرأة في الشعر الإسلامي المعاصر ) وصدر عن دار الضياء للنشر والتوزيع – عمان – الأردن.

وسوم: العدد 698