خيمة...خيمة... المهم بالقدس

مسرحية تُجسد الهوية في عاصمة العواصم.....

نبيل الجولاني/القدس

(اذا كانت فلسطين في الوعي البلاغي هي مدينة القدس لا غيرها، فان القدس في الوعي التاريخي هي فلسطين كلها)د.فيصل دراج

عرضت (فرقة فناكيش )المقدسية التي تأسست حديثاً من حسام عليان وعامر مريدي ومهدي الشلودي مسرحية كانت بعنوان (خيمة/خيمة المهم بالقدس)والمسرحية تعتبر باكورة أعمالهم عُرضت لاتحاد الطلبة المقدسيين في القدس، كتب السيناريو الكاتب المعروف محمد عليان وهي أيضاً التجربة الأولى له في التأليف المسرحي فهو كما نعرف كاتب قصة متميز.

ديكور المسرحية التي عرضت على خشبة المسرح الوطني الفلسطيني/الحكواتي كان بسيطاً ومعبرا، يُفيد الغرض الذي قامت من أجله المسرحية، ويُغني النص أيضاً حيث كان مؤلفاً من خيمة تسكُنها أسرة مكونة من ثلاثة أشخاص، زوجين وابنهما الذي يدرس في المرحلة الثانوية، والذي لم تتوفر له ظروف الحياة المناسبة للعيش أو الدراسة، وأمام الخيمة حصيرة تفترشها الاسرة لقضاء كل شؤونها الحياتية، هذه الأسرة الفقيرة التي لا تلوي على شئ. حيث طرح الكاتب عدة قضايا أساسية تعاني منها الأسرة، كما يُعاني منها أفراد المجتمع المقيم في مدينة القدس بالأساس. جاءت على ألسنة أفراد الأسرة بالتتابع، فرأينا كيف أن الابن طرح مسألة تغيير المناهج التعليمية التي تقوم بها السلطات الاسرائيلية في مدارس القدس العربية في ظل الغياب، وعدم الاهتمام الكافي من قبل السلطات الفلسطينية، حيث تقوم وزارة المعارف الاسرائيلية بطمس الجغرافيا وتزوير التاريخ، وحذف العديد من الآيات القرآنية والقصائد الشعرية من الكتب، وتستعمل سياسة التجهيل في خططها وأساليبها التدريسية، حتى تُخَرج جيلا جاهلا فارغاً يَهيم على وجههه في دروب الضياع، ولا يجد ملاذاً سوى العمل الاسود في الورش الاسرائيلية، حتى يصبح بلا مضمون ولا هدف، بقصد التمييع والتحييد والتهويد والطرد والتشريد، انها سياسة انتهجتها سلطات الاحتلال منذ العام 1967 حتى يومنا هذا.

ورأينا كيف أن الزوج والزوجة يعانيان من تراكم الديون عليهم بفعل ما هو مطلوب منهم بسبب اجراءات الاحتلال الضرائبية التعسفية، التي يفرضها الاحتلال عليهم كما هي مفروضة على كافة أبناء شعبنا من ضريبة الارنونا كمثال لدزينة من الضرائب التي لا مبرر لها، اضافة لفاتورة الماء والكهرباء.....الخ

حتى لم يتبق لهم ما يسدون به رمقهم و جوعهم أو شراء حاجياتهم الأساسية.

وتطرق كاتب المسرحية أيضاً الى اهمال السلطة لقضايا الشهداء وعدم متابعة أمرهم بشكل كافٍ ودائم، وأيضاً تطرق الى عدم الاهتمام بقضايا الأسرى، بعد تحررهم وقبله هؤلاء الكوكبة المضيئة سماءنا دائما، والمِطرقة التي ينبغي لها أن تخرق قناة آذاننا، وتقرع جدران الصمت السلطوي، وتهدم الجدار العنصري، وترفض اجراءات سلطات السجون وتهدم قوانين جدرانه.

وتطرقت المسرحية الى الفساد الاخلاقي الذي يسود مجتمعنا وشوارعنا، وطالبت بمعالجة هذه المظاهر المقيتة المدمرة التي تنتجها هذه الظواهر على كافة نواحي حياتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتعليمية ومصيرنا برُمته.

وكانت الإضاءة خافتة باهتة غير ساطعة، كتعبير عن حالتنا البائسة اليائسة التي نحياها في قدسنا التي تخيم عليها منظومة من القوانين الاسرائيلية الجائرة، التي فرضت علينا منذ حزيران 1967.

والتي أنهى الاحتلال فيها عمله على أكمل وجه من استيطان في قلب القدس واقامة جدار حولها، وهدم منازل واعتقالات ومصادرات للأراضي، وتغيير لمعالمها بحُجج أمنية تارة، وتارة بحُجج دينية، وأخرى بالطرق الالتفافية وبات في الشوط الاخير يُغيير أسماء الشوارع ويضع اللافتات على الأبواب نعم الاحتلال عمل44 عاماً في القدس وأنهى عمله وسلطاتنا تتحدث عن خصوصية القدس وأهميتها وعذريتها .

خيمة خيمة المهم بالقدس .....! شعارٌ ينبغي أن يخيم على القدس ويعمم على ساكنيها وسالكي طرقها وعابري دروبها، هذه المدينة المعشوقة الوحيدة من قِبل كل أبناء شعبنا ومن كل أبناء شعوب العالم .

القدس من دون كل مدن العالم لها خصوصيتها وجمالها وطقوسها وصلواتها وعباداتها وهيبتها وسحرها وتضاريسها التي تلخص كل أمال وأماني وتضاريس خرائط الروح لجميع أبناء المعمورة.

هم لا يسكنونها لكنها تسكنهم هم يحبونها جميعهم دفعة واحدة وهي تبادلهم الحب جميعاً.

القدس خارج كل ما هو مألوف ومعروف، حيث أن لكل عشيقة عشيقها الا القدس، فعلى العكس لها عشاق كُثُر، يحبها حميع الناس الذين خلقهم ربهم وهي تحبهم جميعاً، وفاءً وليس خيانة .

اذن القدس هي المعشوقة الوحيدة في العالم التي عليها اجماع عالمي، وهي الوحيدة التي تجمعهم في الحب والعبادة والصلاة والعشق .... كيف الحال اذن معنا نحن الفلسطينيين بناتها ومواطنوها وسدنتها؟  سنعيش كما عاش آباؤنا وأجدادنا في بيوتها وأزقتها وشوارعها وحاراتها، ومساجدها وكنائسها ومدارسها وحوانيتها وملاعبها وأنديتها ومَكاتبها وجمعياتها وقبابها وأديرتها ومصاطبها وزواياها وحناياها / ونعتلي أسوارها

نُعلن حبنا لها على رؤوس الأشهاد.

نعتصم في خيامها خيمة أمّ كامل/خيمة البستان/خيمة أبو العبد/ هي خيام للاعتصام والالتزام.

كما كانت خيام للاجئين الذين شتتوا في عامي 1948 و1967وخيام لمعتقلينا في النقب وغيره . هي خيام للصمود، والصمود عادة يحمل المقاومة في طياته والا فهو ليس صموداً (وهنا نلتقي مع الاديب المبدع غسان كنفاني في خيمة عن خيمة بتفرق) والخيم أنواع :خيام للاعتصام والاحتجاج، وخيام للمعتقلين من قِبَل سلطات الاحتلال، وخيام للاجئين الذين شُردوا عن أرضهم وخيم للصمود.

أجل انها مسرحية معبرة شاملة وهادفة، وكان ممثلوها بمستوى النصّ، وكان النصّ معبراً عن ما أراد قوله ووصفه الكاتب محمد خليل عليان، وكان أداء الممثلين عالياً، وكأنهم من محترفي العمل المسرحي أداءً وحركة ومهارة، ولهم تجربة في التمثيل المسرحي، وهذا يبشر بأن لهم مستقبلاً واعداً يبدعونه على خشبة المسرح، ويُضِفون نوعياً وتميزاًعلى مجمل الحركة المسرحية في الأراضي المحتلة.