(الفن) والبلاغ المبين

(الفن) والبلاغ المبين

عبد الله زنجير*

(عضو رابطة أدباء الشام)

في مسار الإحياء الإسلامي وتجلياته المرتجاة ، هناك مصالح متروكة ترتبط بفقه الحياة وفقه الواقع وفقه الحضارة . ومع استيعاب التحولات والخبرات الطويلة واستدعاء البدائل ،يأتي (الفن) بأبعاده التقنية وملامحه الفلسفية في طليعة الواجبات وفروض الكفاية ، والتي آن أوان إشراقها كجزء من مهام الأمة وأولوياتها ، وخصوصاً في عصر الانفتاح الإعلامي والتخمة المعلوماتية التي يجسدها الإنترنت ومختلف وسائط التواصل والتأثير ، وهي التي تدفعنا دفعاً نحو مراد القرآن الحكيم (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) 13-49

قبل أيام وبمناسبة السنة الهجرية الجديدة، عرضت كثير من الفضائيات العربية فيلمي ( الرسالة) للمخرج الراحل مصطفى العقاد و (الناصر صلاح الدين) للمخرج يوسف شاهين ... طلبت من ابنتي (بنان) وهي في المرحلة الثانوية متابعة فيلم الرسالة على إحدى القنوات ، ففوجئت بقولها: لقد حفظته لكثرة تكراره في كل مناسبة !

هذه الإجابة لفتت تماماً لفقرنا وفاقتنا في الإنتاج الفني، ففيلم الرسالة الذي يقول عنه الفنان حسن يوسف (شاهدت هذا الفيلم في لندن ووجدت تأثيره الكبير على الشعب الإنجليزي الذي ظل يبحث في المكتبات عن الكتب الإسلامية وكل ما يتحدث عن الإسلام، والكثير منهم أشهروا إسلامهم بسبب هذا الفيلم) أقول إنه قد أصبح مثل بيضة الديك ، فهو قد أنتج من ثلاثين سنة فقط ! وإذا كان العتب مفهوماً على وزارات الثقافة والإعلام لعدم دعمها وتبنيها الأعمال الفنية الهادفة ، وكذلك على رجال الأعمال والأثرياء العرب الذين يبحثون عن الكسب السريع والجاهز، فإنه يتحول إلى لغز عصي الدمع والفهم لإهمال الدعوة ومؤسساتها هذا الجانب الخطير من حراك الناس وتدافعهم والذي يعد أداة ممتازة في إعادة تحصين العقل المسلم وصناعة مقوماته وصيانة هويته وحمل رسالته وبعد أن كان أيام الإمام حسن البنا ملء السمع والبصر.

إن الصورة جد قاتمة ، فالإبداع الفني وقيم السينما قد تحولا لأسلوب الهزل الرخيص والوضاعة الذوقية ، فليس هناك نصوص جيدة تغار على قضايا المجتمع والأخلاق ، وليس هناك كتاب سيناريو يتاح لهم الوقت والجهد والتخصص والعائد المادي ، وليس هناك مؤسسات إنتاج متفوقة تعرف العصر وتستدرج المواهب . وكذلك غياب المخرجين المحترفين والموزعين الأمناء والنسخة الأصلية ,, وفوق هذا وذاك تصدر بين كل فينة وأخرى آراء تحرم الفن أو معظمه وتحرم السينما بإطلاق ، أو تحرم الموسيقى بحزم (حتى الدف) وتريد أن تحمل الناس حملاً على شدائد ابن عمر – رضي الله عنهما – وتتجاوز رخص ابن عباس – رضي الله عنهما – ولا تترك بوصايتها ومبالغتها بسد الذرائع أي متنفس لرأي آخر أو خلاف اجتهادي أو تباين مذهبي، حتى غاب الفن وتوارت صناعته عن مناهج التدين ووسائل بيانه .

إننا لسنا مصابين بشيخوخة الفعل والفاعلية ، إنما بكلاسيكية التنظير وتأخر القرار وهذا الدين الذي يمتزج مع الدنيا لإصلاح الإنسان ، مثلما تمتزج الروح مع الجسد ، لا يكتفي بأن يتفرج على الأشياء دون أن يقودها .. وبالتالي فإعادة النظر بمشكلة نظارتنا التي تحدد مستقبلنا ، فضيلة . لأن لدينا القدر على القفز والتجرد من أجل ينبوع الوحي وشلال الخير والحق والجمال .

يجب أن يتبلور الاهتمام – من جديد – بخطورة الفن والأدب و أذرعتهما المتعددة ويجب أن يكون عندنا ألف فيلم كفيلم الرسالة وعمر المختار ، وألف منشد مثل سامي يوسف وسواه، وألف مؤسسة تعمل وتنتج وتتحرى الأسلوب العصري والهدف الصحيح. ولا مانع من محاكاة السينما الإيرانية التي وجدت حلاً لحكاية ظهور المرأة فأن نتعلم ونمضي ونتحرك خير وأبقى من ندب الحظ وبرشام المؤامرة ، فالحركة بركة وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

              

* كاتب سوري