الفائز الأول في مسابقة الشارقة

الفائز الأول في مسابقة الشارقة

المنشد إبراهيم الدردساوي

والخطوات الأولى للمنشد الواعد

( 2 )

نجدت لاطة

[email protected] 

ماذا يعني أن تكون منشداً ؟ يعني الكثير ، لا سيما في هذا العصر الذي طغت فيه الفنون وأصبحت الموجّه الأول في حياة الناس . فكونك منشداً يعني أنك ستخاطب الملايين من الناس ، أي سيسمعك الملايين من الناس ، وسيشاهدك الملايين في الفيديو كليب الذي يُعرض في القنوات الفضائية ، فحينها سيراك ويسمعك حتى المسـلمين في أمريكا . فالذي يعلم أنه سـيخاطب الملايين من الناس .. فهل يُعقل أن يهتمّ بفنه اهتماماً عادياً ؟ أم لا بد أن يكون اهتمامه بفنه كبيراً ؟

وماذا تفيد الفنون الإنسان ؟ وهل الفنون شيء ثانوي وفرعي في حياة الإنسان ؟ أم أنها ضرورة من ضرورات حياته ؟ فمما أحفظه من قراءاتي أن أحد الأدباء قال : الإنسان الذي يُجيد عشق الزهرة تجده منظماً في حياته ، وحسّاساً ، وراقياً في تعامله مع الناس ، وراقياً في ترتيب أدوات بيته وأشيائه الخاصة ، أي أنه راقٍ في عواطفه ومشاعره الإنسانية .

 والذي يتلقى الفنون كمن يعشق الزهرة ، كمن يستنشق الزهرة . فالفنون ترقق عواطف الإنسان ، وتسمو بمشاعره ، وتزيده شعوراً بالجمال ، وهل يريد الإسلام من الفنون أكثر من هذا ؟ وبالتالي تنتقل ما تفعله الفنون في الإنسان إلى حياته الخاصة ، وبذلك نحصل على الفائدة الحقيقية من الفنون .

 وفائدة أخرى ، فكما نعلم أن الحياة مليئة بالمشقات والمزعجات والمكدرات والهموم ، فتأتي الفنون فتنفض الهموم والأحزان وتزيح كل مكدرات الحياة ، وقديماً قال الشاعر :

حامل الهوى تَعِبُ .... يستخفه الطَّرَبُ

أي أن الطرب يخفف عنه آلامه . وحامل الهموم والأحزان ومشقات الحياة تعبٌ أيضاً ، ويستخفه الطرب ، وتستخفّه بقية الفنون أيضاً . إذاً فالفنون ضرورة من ضرورات الحياة لدى الإنسان ، وليست شيئاً ثانوياً كما يظن بعض الملتزمين .

 فالصوت الحسن يُطرب النفوس ، والموسيقى تريحها ، وتشعر النفس بالنشوة والانتعاش . وفي دول الغرب هناك أقسام خاصة في المستشفيات تعالج بالموسيقى ، وتشمل الأمراض التي تعالجها الموسيقى ما كانت متصلة بالأمراض النفسية . ولا يقتصر تأثير الموسيقى على الإنسان فحسب ، وإنما تتأثر الحيوانات بالموسيقى أيضاً ، فتستريح لها ، لذا نجد في حظائر البقر والغنم المسجلات التي تصدر منها الموسيقى ، فيستريح البقر والغنم لها وتهدأ نفوسها ، فتدرّ حليبها دون أدنى معاناة أو تعب أو مشقة . والنبات يتأثر بالموسيقى أيضاً ، فقد أجرى الباحثون تجارب من هذا النوع ، وتبيّن لهم أن للموسيقى أثراً إيجابياً في نمو النبات .

 فإذا كانت الأغنام والأبقار يستريح ضرعها حين تسمع الموسيقى ، فتدرّ الحليب بكل يسر ، وإذا كان النبات يتأثر تأثراً إيجابياً بالموسيقى .. فهل يُعقل أن الإنسان لا يتأثر بها ؟

 والفنون تخاطب في الإنسان ما لا تخاطب فيه المحاضرات والخطب ودروس الوعظ والإرشاد ، وأعني أن في الإنسان جزءاً من نفسيته لا تخاطبه الدروس والمواعظ ، وهذا الجزء لا يتأثر بالعلم والمعرفة وعلوم العقل ، وإنما يتأثر ـ فقط ـ بالفنون ، ويستجيب لها وينفعل من خلالها ، ويتأثر بها . فإن كانت مضامين هذه الفنون تحمل قيماً إيجابية ، فهو يتأثر بها إيجابياً ، أما إن كانت مضامين هذه الفنون تحمل قيماً سلبية فهو يتأثر بها تأثراً سلبياً .

 فمن هنا كانت الفنون شيئاً أساسياً في حياة الناس ، فهي تقف جنباً إلى جنب مع العلم والمعرفة والثقافة ، وكلما كان الإنسان يتلقى الفنون كلما كان أنضج وعياً وأكثر فهماً وأرق إحساساً . وقد قال عليه الصلاة والسلام في فن الشعر : وإن من الشعر لحكمة .

 والمدقق في السيرة النبوية يجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يولي الشاعر حسان بن ثابت اهتماماً كبيراً ، وجاءت عدة أحاديث فيه رضي الله عنه ، تمدحه وتثني عليه ثناءً كبيراً ، بل إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبشره بأن كبير ملائكة السماء الأمين جبريل عليه السلام يقف معه ، فيقول له : اهجهم وروح القدس معك .

 وكما نعلم أن في القرآن سورة الشعراء ، وهي تدل على أن هذا الصنف من الناس له أهمية في الحياة ، سلباً أو إيجاباً ، بحسب مضامين الشعر . وبقية الفنون لها أهمية كبيرة كالشعر أيضاً .

 كتبت هذه المقدمة لأبيّن فيها أهمية الفنون في حياتنا ، لأن كثيراً من الملتزمين يعتقدون أن الفنون شيء ثانوي في الحياة ، وإذا قلنا لأحدهم نريد أن نسمع شعراً أو أنشودة نروّح بها عن أنفسنا قال لنا : اسمع القرآن فهو أعظم وفيه الراحة الحقيقية . ونحن نعلم أن القرآن أعظم وأجل ، وفيه الراحة الحقيقية ، ولكن لكل شيء وقته ، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : روّحوا عن هذه القلوب ، فإنها تملّ . والترويح يكون بالشعر أو بالنشيد أو بأي شيء من الفنون ..

 فهذه المقدمة عن الفنون أحببت أن أبيّن من خلالها للمنشد الواعد أهمية النشيد في حياتنا ، كي يهتمّ به اهتماماً كبيراً ، ويحترف فيه احترافاً متقناً ، فيقدم للجماهير النشيد الإسلامي الذي يليق بعظمة هذا الدين ، وكما قال شيخ المنشدين محمد أمين الترمذي : النشيد جهاد بالكلمة واللحن .

 وفي الجزء الثالت نبدأ بذكر الخطوات التي ينبغي أن يخطوها المنشد في طريق النشيد الإسلامي ..