عن الذي لا يكاد يبين

يسري الغول

[email protected]

تصلب أمام الشمعة المباركة يبكي، بدموع شمعية زائفة، حتى إذا أذنت السماء بالتغيير، وأعلنت عن فصل جديد من الولاية، اعتراه بصيص أمل من نورها، فتبارك الناس يهتفون باسمه، والصغار يهللون: "إنه عميد قريتنا الجديد". فينتشر الخبر كالهشيم بمن سيغير الحال ويقود سفينتنا نحو الأمام.

والرجل كأنه نائم، يقف أمام المرآة، يتمتم لذاته بأنه يحلم في الحلم. وأن ما جرى إنما هو بركات الرب الجليل. فينزل للعامة، يضحك، والناس لا تفارقهم البسمة. يصعد المنابر، يخطب في الحب والرحمة وفي قلبه غلٌ لا تطفئه البحور. يطلب من مريديه أن يرسموا له لوحات على المنبر يصورونه، بينما يكتب الكَتَبَه نصوصه على عُسف النخيل ينشرونها عبر العالم.

... حتى إذا حل الظلام، ونسى العميد شمعتنا التي فَنَت من أجل قرية فقيرة محاصرة، حشد بجواره كل العسس يأمرهم بأن يشيعوا الخوف فينا، ثم يصدر أوامره بقتل وترحيل كل صاحب قلم حتى إذا نزل الجميع عند قوله صار يضحك ويضحك، بفجاجته ورائحته النتنه، كأنه ليس الذي عرفته القرية منذ سنين. والشيوخ في مضاجعهم يهذون بمن سرق المال وجهد السنين، يتمتمون بالحيرة في زمن الحُلم، والقبض على الجمر في زمن اليباب، يتهامسون بمن سرق الكلِم ونشر القوافي ينسبها إلى نفسه، بعد أن اكتفى بفانوس صدئ يقوده إلى تجارة القراريط والعبيد، مهللاً ومسبحاً باسمه كعميد له كل شيء في الأرض والسماء.

وهو الفتى الذي لم يبلغ الحلم بعد، لم يتكلم، بل خرج ميمماً شطر داره، فولجها دون إذن من أحد، ثم طعنه بنصل قلمه أمام العسس، حتى تناثر الدم ملوناً ومن حوله لا يصدقون ما جرى، يهربون كأنهم لا يعرفونه، والناس في الخارج يهتف بصوت واحد: أيها العميد: أفٍ لك، ما أقبحك".