حمامتي

هل ستعودين؟ ، لقد ربيتك قبل ان تولدي ، أو قبل أن تفقس بيضتك ، أخترت لك الأم والأب بعناية فائقة ، بدقة تامة ، اختيار مهندس لبيب ، جمعتهما معاً في العش الذهبي ، وانتظرت ! ، حتى يتوافقا ثم يتزاوجا ثم يبيضا ، وبعد صبر وتأنِ ، باضا ، وانتظرت بفارغ الصبرِ أن تفقس البيضتان وترين النور ، حتى كان ذلك بعد ثمانية عشر يوماً ، ألا إن أخاك مات بعد عدة أيام وبقيتي أنتِ ، اختار لك الغذاء الجيد ، بل الأجود ، كي ينمو جسدك بأفضل صورة ، هكذا ترعرعتِ بين كنف الوالدين في قفص عاجي ، وتحت إشرافي .

بعد أن قوي جسدك ونمت عظامك وبنيت حولها العضلات بالصورة التي توقعتها بالضبط ، فحررتكِ من القفص الى سماء الحرية ، دربتك جيداً على عنوان البيت ، ثم أطلقتكِ في الهواء ، لتسبحي في السماء الزرقاء ، وتحومي كالصقر حول البيت ، كما توقعتكِ ، قويةٌ جداً ، لم يخب بك ظني ، فأنتِ أنتِ التي ستكونين بطلة الموسم القادم بلا شك ولا سوء تقدير ، فأنتِ الأقوى بين جميع حمائم السباق !.

لا أنتقص من مربي حمام زاجل السباق ، فهم ايضاً لديهم الخبرة والمعرفة الجيدة بحمائمهم ، واختاروا أفضل ما لديهم للسباق ، ألقيت نظرة على حمائم بعضاً منهم ، لا تجسساً وتلصصاً ، لكن فضولاً وتفحصاً لما أعدوا من حمائم ، اكتشفت إن الفرق شاسع بينكِ وبينهن ، أنتِ الأفضل بلا ريب ، أنتِ صاروخ السماء ، أمكِ كانت بطلة في عدة مواسم متتالية ، وكان أبوكِ بطلاً لعدة سباقات ، فلابد أن تكوني انتِ بطلة هذا الموسم!.

السرعة ، الوزن ، التحمل ، كلها وغيرها عوامل مهمة للفوز في السباق ، إلا أن يعيقكِ رصاص الصيادين ، أو مطاردة الصقور ، وأنتِ لا زلتِ فتية ليس لديكِ الخبرة في التعامل معهما ، لكني أثق بسرعتكِ سوف تتخطين الرصاص ولن يتمكن منكِ الصقر.

حان موعد السباق ، وضعتكِ بيدي في العربة ، وشيعتها حتى اختفت عن أنظاري ، عدت الى البيت احسب الساعات والدقائق ، منتظراً رؤيتكِ مجدداً مكللةً بالفوز الساحق ، لكن .. طال الانتظار ، وعادت جميع حمائم السباق إلا أنتِ ، غابت الشمس ، لم أيأس ، لم أحبط ، لازلت منتظراً ، لم تعد تهمني نتائج السباق ، كل همّي أن تعودي وإن كنتِ الأخيرة .

انتصف الليل ، فخلدت للنوم ، لم أنم بسهولة ، لكن النعاس غلاب ، راودتني عدة كوابيس فاستيقظت فزعاً مردداً (هل ستعودين؟) ، أسرعت نحو السطح متفحصاً جميع الحمائم ، لم أجدكِ بينهن ، انهارت قواي ، لم تعد قدماي تحملاني ، هويت على الأرض جالساً ، أين أنتِ؟ ، أطرقت الى الأرض ، شاهدت قطرة دم ، بقعة صغيرة ، تفحصتها بقنوط ، لم تكن الوحيدة ، تلتها عدة قطرات ، تابعتها زحفاً حتى وصلت الى مخبأ تحت الانقاض ، نظرت الى الأسفل ، يا للهول! ، ها أنتِ تختبئن هنا ، خجلةً مني ، تشعرين بالذنب لأنكِ خيبتِ ظني ، لا .. ليس ذنبكِ ، ليس ذنباً لصياد ولا لصقر ، بل لقلة خبرتكِ في التعامل مع أسلاك نقل الطاقة الكهربائية ، فلا تخجلي ، المهم إني لم أخسركِ ، ها قد عدتِ بالرغم من ثقل الجراح!.

وسوم: العدد 1076