الصديق وقت الضيق

سمر حامد العامودي

سمر حامد العامودي

قالت والدموع تملأ عينيها: والله يا صديقتي حَلف زوجي يميناً أتّه إذا ما دَبّرت المَبلغْ كاملاً  وهو مائتي دينار، لسوف أذهب عند أهلي ولا رجعة لي إلى بيتي، حتى انّه لا يُريد رؤيتي نهائياً، تَوَسلتُ إليه أني سَأحاول حَل المُشكلة وأنا في بيتي، لئلا  يكون هناك إرباك للاولاد إذا علموا أني على خلاف مع أبيهم، واستحلفتُه بالله بل وَرَجَوتْه من أجل أولادي لكنه أبى وصمم على رأيه، وأحسَسْتُ أنّه لا يُريد أن يَراني فِعلاً. وهئَنذا في بيت أهلي منذ أسبوع أحاول أنْ أدَبّر أموري. لا  أدْري ماذا أقول لك يا صديقتي، فأنا في غم وهم شديدين ويا ليْتني أستطيع أن أتدبر المال، إذاً لهانتْ الأمور جميعاً، وَِلكن مِن أين؟ ويا حسرتي على راتبي آخر كل شهر من المدرسة، أوّل خَمسة أيام يَكون قَد طارَ وَتَبَخر. وراتب زوجي لا يعطيني مِنْه شيء، فَََهو الذي يَصرف على البيت بِمعرفته. فمن أين أستدين؟ لا أدري؟.

ثم نظرت إليّ بعينين محزونتين وتنهدتْ بعمق، وهكذا اختَصَرَت صديقتي مشكلتها.

فَتساءلتُ في نَفسي وَأنا أستمع إليها : لماذا زوجها يُريدها أن تتدبر المبلغ هيَ، هل أضاعته أم ماذا؟ واستَحيَيتُ أن أسألها بما أني لا أستطيع المساعده، وتنهدتُ مِن أعماقي، سُبحن الله ما هذه الصدفه التي جَمعتني بهذه الصديقه القديمه ألتي لم أرها منذ عدة سنوات؟ كنتُ أتمنى أن أراها في ظروفٍ أحسن وأجمل، حتى أسعد برؤيتها فأنا أحب صَديقاتي القُدامى وجيراني القدامى أيضاً، لكن! ماذا أقول وهذا حالي الآن مع هذه الصديقه؟.  وتَنبهتُ! وإذا بصديقتي تنظرُ اليّ بعينين حائرتين.، وتتوَسل بِطريقة لم أبذل جهداً كي أفهمها، وكأنها تقول: بالله عليك إن استطعتِ مساعدتي فساعديني، ولا تبخلي عليّ.

لا أدري ماذا أقول لك ليس معي حتى ولا دينار واحد الآن، أنا آسفة جدا، قلت لها هذا بنفس طريقتها، إذ لمْ تسعفني شَفتاي لتطلق هذه الكلمات. فخفضتْ بصرها أرضاً، كأنها فهمتْ قَوْلَ عينََيْ.

وقبل وداعها بلحظات - وقد صَعُبَ عليّ حَالها ورقّ قلبي لها-  خَطر بِبالي أن أستدين لها من قريبةٍ لي أثق بها وتثق بي جداً.

لكنني! رأيتُ أنّ من حقي أن أعرف قصتها، بما أنّ المساعدة عن طريقي الآن. فحكتْ لي بشيء من الاختصار أن صديقاً لعائلتها أعطى زوجها مبلغاً من المال أمانةً عنده لسببٍ ما! وهي أي صَديقتي في غَمرةٍ من حُب التسوُّق والانغماس في الأسواق، وكأنها نَسِيَتْ أّنّ المبلغْ أمانة عندهم صَرفت نِصفهُ  دون علم زوجها ، وقالت: أنه لمْ يَكن في نِيتها خِيانة الأمانة، وكانت مُتأكدة أنّها سترده لأنّ هناك مَبلغ سَياتي عن طريق جَمعيّة بَينها وبين جاراتها، ولكنَّها للأسف لمْ يخطر بِبالها أن الرّجل سيحتاج الأمانة وَيطلبها من زوجها قبل استلامها الجمعية لسوء حظها كما قالت. هذا كل ما عرفته منها، وذهبتْ بعد أن أعطتني رقم هاتفها الخلوي (الجوال)، ووعدتها أن أراها قريباً.

والحقيقة أنني شَعرت براحةٍ كبيرةٍ جدا ًعندما ساعدتها وأحضرتُ لها المبلغ من قريبتي والحمد لله، وذلك بعد يومين كما وعدتها، واحتفظت برقمها.

 وأذكر جيداً أنني ما إن اتصلتُ بها حتى أتتني إلى بيتي في الحال دونما إبطاء، وأثناء شربها كوباً من الشاي صنعته لها، وعدتني أن تَرد ليَ المبلغْ عندما يأتي دورها في الجمعية بعد شهرين من تاريخ مَجيئها عندي.

وتصرّمت الأيام سريعاً، ولمْ أفكر يوماً في هذا الموضوع أبداً، ولا قريبتي التي استدنت منها يضاً، حتى أنها لمْ تَسالني عنه البتة لثقتها ومحبتها لي.  

ومضى شهرين بالتمام والكمال، بعثتُ خِلالهما برسالةٍ واحدةٍ عَبر الجَوال بمناسبة رأس السنة الهجرية، متمنيةً لها سنة جديدة مليئة بالإيمان والتوفيق، خاصّةً أنها قَبل قصتها هذهِ وفي بداية حَياتها الزوجية كما علمتُ، كانت تشكو من مِزاج زوجها المتقلب وبعض المشاكل العائلية.

فردّت على رسالتي رَدا جَميلاً. وَهكذا مرّت الأيام ولم أعلم عنْها شَيئاً بعدها، إلى ما بعد مرور ثلاثة أيام على الشَهرين الذي وَعَدَتْ، فحاولتُ الإتصال بها عِدة مرّات دون جَدوى، فالهاتف الجوال مُغلق حالياً، هكذا يكون الجواب.

ألصحيح أنه انتابني شَيء من الخوْف أن ألتقي قَريبتي وتَسألني عن المبلغ، لكن بفضل الله تعالى لم أرها وهي لم تحاول الاتصال بي، فهي منشغلة بأمورها.

ومضى عشرة أيام وأنا دائمة التفكير بالأمر وأحاول الإتصال مرّات عدة دون جََدوى. وَخطر في بالي أن أذهب إلى بيتها الذي لا أعرف موقعه بالضبط، لكنني أعرف إسمّ الشارع الذي يقع فيه، فصرت أسأل عن عنوان هذه الصديقة القديمة التي رأيتها مصادفةّ في طريقي، وما طالت المسالة فقد هَداني الله إليه. وكان هذا بعد أسبوعين بالضّبط  من محاولتي لمعرفة البيت.               

فذهبتُ إليها وكلّي فضول لمعرفة سبب انقطاعها عني وكنتُ أسأل الله تعالى وأنا في طريقي أن يكون المانع خير. وبعد أن قَرعتُ جرس الباب وفتحتْ هي نفسها رَأيتُ المُفاجأة كَيف أثّرتْ عَليها، والحقيقة أنها انشدهت انشداهاً كبيراً! ولكنني أردتُ اختصار الوَقت وقلتُ لها مع شَيء من الابتسام: ألا تَدْعينني للدخول يا صديقتي؟ ودون ان تنبس ببنة شفه أشارت بيدها أن تفضلي، وأخذتْ بالإعتذار على التاخير، فقلتُ لها : أنا أعذرك أعانك الله يا صديقتي لكنني أحببت أن أزورك لأطمئنّ عليكِ، إذ لمْ أسمع أخبارك منذ شهرين ألم تُلاحظي ذلك؟ وابتسمت وهيأتُ نفسي لسماع الأعذار!! 

ونفس الدموع التي ترقرقت في مآقيها أول مرّة رأيتها تترقرق مرة أخرى، وأمسكتْ يدي بيدٍ ترتعشْ وقالت: والله يا صديقتي أخذتُ الجمعية وصَرفتها في حاجيات ضرورية للبيت، وسددتُ بعض الديون المتفرقة وأعدك بالجمعية القادمة، سوف أستلمها  بعد شهرين أو ثلاثة ربما !وأعطيك المبلغ كاملاً إن شاء الله، ونهضتْ مِن مكانها وعينيها الحائرتان مثبتتان على الأرض كأنها تخفيهما عني، ومشت إلى أن دَخلت مَطبخَ بيتها في شيء من الاضطراب وهي تقول: دَعينا نشرب القهوة أنا وأنت ونتذكر أيام زمان، وحكتْ أيضاً بصوتٍ خفيض كلمات لا أدري ما هي إذ تركتها وقهوتها وعزمت على أن لا أراها، أو أراها بعد شَهرين أو أكثر، مَن يدري؟؟  خرجتُ من بيتها وأنا شاردة الذهن، ولا أكاد أصدق ما حدث، واتجهتُ إلى الشارع الرئيسي، وقبل أن أصل إلى الطريق الضَيق المؤدّي إليه، رأيت على بعد مني امرأتان تتحدثانِ بصوتٍ مرتفع، وتُشيران بالإتجاه الذي خَجرتُ منْه للتوّ، واستوَقفتْني إحداهما تَسألُ إن كنتُ أعرف هذه المنطقة، فقلتُ بالكاد أعرفها! فاستطردتْ المرأة! هُناك صَديقه قديمه نَودُ أن نَزورها ولنا مَعها حِكاية، فذكرتُ أنا إسمَ صَديقتي بدون تَردد أو تفكير، فاسمُها لا زال رَطبا على لِساني وَأنا لا أعرف  غيرها في هذه المنطقة ، فقالتا مبتسمتين بصوتٍ واحدٍ نعم.

وعندما أوصلتهما إلى البيت المقصود، وَكنت قد عرفتُ طَرفاً غير يسير مِن حَكايتهما وَهي مُشابهة تماماً لحكايتي معها، هَززتُ رَأسي يائسة، إذ عَرفتُ أنهما لنْ تَحصلا على مُرادهما لكنني شَجعتهما على قرع الجرس، وقلتُ لهما مودعةً أن قهوةُ صَديقتنا ما زالتْ ساخنة.