كلب فرنجي!

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

وصل إلينا زائراً أحد أقاربي من دولة أوربية ، يقيم بها ويتزوج من نسائها ويحمل جنسيتها .

كان يحكي لنا عن بيت عمه من أهل زوجته الأوربية وعلاقته بهم ، ومع أنه ليس لديهم من الأولاد غير زوجته، فإن عمّه والذي عانق الستين مازال يعمل بدوام إضافي !

أن يعمل فهذا أمرعادي ومشروع ، ولكن لم العمل الثاني الإضافي وهو يملك بيتاً وسيارة ووظيفة تكفيه حياة مريحة ؟ وهو مشمول بقانون ضمان اجتماعي لا يدعه يهتم لتقلبات الأيام، وقريباً سيحظى بتقاعد يكفيه لحياة ميسورة ومريحة بقية عمره .

ضحك قريبي وهو ينظر نحوي ثم قال :

- لو علمتم، السبب لاستغربتم الأمرغاية الغرابة والعجب .

- وما هو السر المريب في ذلك الأمر الغريب ؟.

ضحك ... وهويقول :

-         الكلب .

-          أي كلب ؟ .

-         هذه قصة تحتاج إلى شرح ... وتفصيل .

-         اشرح لنا يا سيدي ... أم أن وراءك أعمالاً وأشغالاً ؟

-         العكس تماماً ...أنا هنا في إجازة لأرتاح قليلاً .

-         عظيم ... فأتحفنا عن سرّ الكلب . 

-         يا رجل لقد جفّ حلقي وأنت تبحث وتحقق معي ... قالها مازحاً وهو يضحك . 

ناديت صغيري ليطوف علينا بالقهوة، ثم أخبرته أن يجهزوا لنا العشاء ، فقصة كلب يشقى سيده لأجله في السويد ، ويجبره على عمل إضافي ... تستحق عشاءً دسماً .

ابتسم قريبي ثم بدأ في سرد حكايته عن سرّ الكلب :

من عادة الناس في السويد أن تعلن في الصحف اليومية عن كلب أو أي حيوان أليف آخر ، تريد أن تتبرع به مجاناً لمن يرغب في اقتنائه ويضعون مع الإعلان مواصفات الكلب وأصله وعائلته وصوره ! .

أعجب عمي بأحد الإعلانات عن كلب هجين وقد راقت له صورته ... كلب ضخم الجسم قصير الأطراف طويل الشعر وغزيره ، ثم أضاف يشرح لي عن هذا الكلب المهجن قائلاً : عندما تسير بسرعة ويحاول اللحاق بك فإنه يجري بحركة سريعة جداً حتى يلحق بك ويشعر بتعبٍ شديدٍ ... فخطواته قصيرة جداً ... وجسمه ثقيلٌ وكبيرٌ جداً !! .

صفات هذا الكلب حسب الإعلان كان صغيراً بعمر أربع سنوات ... ومتوسط عمر هذا النوع من الكلاب أربع عشرة سنة ...

وبعد أن اتصل عمي بصاحب الإعلان أتى أصحاب الكلب لزيارة عمي للاطلاع على المكان المهيّأ للكلب وطبيعة عمل عمي وما يملكه من استعداداتٍ ومؤهلاتٍ تمكنّه لتأمين حياة مريحة وهانئة لهذا الكلب المهجن والضيف الجديد !.

وافق أصحاب الإعلان على تقديم الكلب هدية مجانية لبيت عمي بعد أن اطمأنوا على سعادته معهم وعلى مستقبله !

بعد فترة بسيطة شعر بيت عمي بتصرفات غريبة تنتاب هذا الكلب وحكة في ظهره ... وهو يحاول أن يحسّ ظهره ويحكّه بكل ماحوله من كرسي أو طاولة ...

فحملوا الكلب وساروا به إلى مركز صحي يختص بالكلاب ، وبعد فحصه تبين أن الكلب في العاشرة من عمره ،أي شبه عجوز في عرف الكلاب كما أن أسنانه قد تساقطت ... وهذا يتطلب طعاماً خاصاً للكلب العجوز ! .

والأهم من ذلك أنه مصاب بمرض وورم خبيث  يمتد من عنقه إلى ظهره !!!

وعلاجه من هذا المرض يكلف ثلاثين ألف دولار فقط ...

قلت له : فليتخلصوا منه بإعلان مجاني كما فعل بهم الآخرون ويوفروا عليهم ذلك ...

- إن أخلاق عمي لا تسمح له بذلك ويعتبره غشاً وتدليساً .

-         وكيف سمحت أخلاق الآخرين من أبناء السويد بذلك ؟

-         أولئك سويدون مجنسون جديداً من أصول شرقية !!! ثم ضحك وهو يقول : مثلنا يعني ! .

-         وهل يمكن أن يقدموا شكوى على من دلّسّ عليهم وغشّهم بهذا الكلب العجوز والمريض ؟

-         لا .

-         لم ؟

-         لأنه لا يوجد عقد بيع أو شراء ... لقد كان منحة مجانية !!!

-         وما الحل إذن ؟

-         عرضت على بيت عمي أن أتخلص منه .

-          كيف ؟

ضحك وهو يشير بحركة خاطفة من إصبعه إلى عنقه ... يعني الذبح ، ثم وضح ذلك بأسلوب ألطف قائلاً :

- بالموت الرحيم ... أو أرميه في الغابة !

-         وهل وافق بيت عمك على ذلك ؟

- شعرت زوجة عمي بالذعر من هذا الطرح فاحتضنت الكلب بكلتي يديها ، وضمته إلى صدرها بقوة ، وقد صدقت مقالتي وهي تقول لي : محال أن يخرج الكلب من هذا البيت ! ثم أضافت :

لا تقترب منه ولا تلمسه أبداً بعد اليوم .

ثم تدخل عمي مضيفاً : لو فعلتها لن ندخل بيتك أو تدخل بيتنا كل حياتك .

فقلت لهم ... وهل صدقتم كلامي ؟!  كنت أمزح معكم ! .  

-         وعلام اتفقوا عليه أخيراً ؟

-         اتفق عمي وزوجته على الاحتفاظ بالكلب والتمسك به ومعالجته التي تتطلب سنتين بتكلفة ثلاثين ألف دولار .

-         يصبح عمره اثنتي عشرة سنة  !!!

-         نعم

-         إن نجح العلاج ولم يمت قبل السنتين .

-         تماماً

-         أي أن علاجه يكلف ثلاثين ألف دولار،  وممكن أن يموت خلال العلاج ،وممكن أن يعيش سنتين وسطياً بحسب عرف الكلاب فيما لو تعافى تماماً من هذا المريض الخبيث .

-         أحسنت !

نظرت إليه باستغراب وبعد أن هززت رأسي  وهو ينظر إليّ مبتسماً ثم تكلمت وأنا في تأثر شديد :

هل يمكن أن تحضر عمك وزوجته على حسابي في السفرة القادمة ، لأقوم بجولة لهم في مخيمات اللجوء علّ رفقهم بالحيوان ينتقل إلى الإنسان ، ويشمل حنانهم بعض أطفالنا المشردين في الخيام وتحت الأمطار والثلوج.