أعشقني

عبد القادر كعبان

[email protected]

مهداة الى الأديبة سناء شعلان

فتحت نافذة غرفتي الصغيرة. لمحت جملة من الأطفال يلعبون. فرحتي تكبر كلما شاهدتهم يبتسمون. أعود و أتذكر جملة من ذكريات طفولتي الحزينة. عراك و صراخ من خارج البيت شبه يومي. أدخل مسرعا الى حجرتي الصغيرة. أقف وراء الباب منصتا للخلاف بين أبي و أمي. أمور روتينية و اقتصادية لا أكثر. مسلسل "لا للمسئولية" في استمرار بدون نهاية. كان أبي يضربني لأتفه الأسباب و أمي تصرخ في وجهي دون انقطاع. أحببت المدرسة و رفعت شعار "إقرأ" وصولا الى مستقبل مشرق بعيدا عن ضوضاء بيتنا. كنت كلما أخرج من المدرسة أمشي بين الناس بحثا عن معنى الهدوء. الجميع يمشي في عزلة. أتذكر عنوان رواية ماركيز "مائة عام من العزلة". كنت اشتريتها من بائع للكتب على ناصية احدى الطرقات حينما دخلت كلية اللغة العربية و آدابها. وضعتها مع مجموعة من الكتب. إنها أغلى ذكرى موجودة من سنوات الدراسة. تصفحتها و كأنها أول مرة. دخلت زوجتي الأديبة تحمل صينية القهوة. وضعتها في مكانها. نظرت إلي كأنها تريد أن تسألني كأستاذ عن سر اهتمامي بتلك الرواية. غرقت في بحر الصمت للحظات. ناولتني فنجان من القهوة الساخنة. آثرت هي الأخرى السكوت حتى لا تسمع صوتي الحزين. وحده البحر يسمع أنين الحوت في المحيط الواسع. حلقت عيوني في فضاء البيت. تذكرت الظروف و الأيام التي مضت من العمر. كسرت قيود الصمت أقول لحبيبتي:

- حينما حملت تلك الرواية كنت أتصفح ذكرياتي..

راحت تنصت لما أقوله بفضول. سمعت دقات قلبها تتسارع لترفع ستارة العشق. واصلت الحديث عن ألم الماضي و أمل المستقبل بنبرة لا تخلو من الصدق:

- لقد قاسيت في هذه الحياة من الحرمان.. حرمان من الحب و الحنان.. لكن الحرمان كان سلاح نجاحي في الحياة عزيزتي..

ابتسمت كوردة ربيعية. أمسكت بيدي و قبلت جبيني. لطالما باغثها إحساس مجنون يردد بصوت خافت لروحنا المزدوجة "أعشقني".