فرسان الغابة

سمية نعمان حسن مرعي

سمية نعمان حسن مرعي

مضى عشرونَ عاماً من الشقاء ,وصبح فلسطين الخضل يطرق باب السجناء ,يخبرهم بالود الذي يخفيه هذا الوطن , بالرياح العاتية التي تهب عليهم بالحنين , وها قد أفنى الغزال حياته بين قضبان الحديد , التي تأسر أنفاسه مع كل شروق شمسٍ جديد ,فإذا أصبح تلمسُ أنامله الندى , فيتدفقُ في قلبه الهدى ,ويتأمل الحياة خارج ذلك الحصن المنيع ,فيراها أجمل من الموت السريع .

فتظاهر بالمرض الشديد , وأخذه الحراس إلى طبيب السجن المديد, فصفعه الغزال على رأسه وخرج بملابسه أمام الناظرين , وهفا إلى الغابة الرفة قبل أن يلتقطوه ويحين الحين , وأخذ يمشي ويتأمل السماء التي لم يرها منذ عشرات السنين , وإذا بسنجابٍ قاني الدماء حزين ,  فأخبره أن الحاكم أبادَ قبيلته , ولم يبقَ على قيدِ الحياة سوى هو من أفراد عائلته,فاصطحبه الغزالُ إلى كوخٍ بعيدٍ عن أنظار الذئاب , وعالجه حتى شُفِيَ من آثار الحرب والخراب , واستودع السنجاب ورحل , وتنكر بزيِّ خادم قصر جَذِل , وفي الصباح رأى الذئاب تحيط القصر من كل جانب , وأصواتهم تعلو لتكسر المخالب , فمضى يراقب ُ تحركاتهم , فوجدَ الكيدَ والروعَ يخرق مخططاتهم, وأقدامهم تحيط الغابة من كل الأقطار , وأسلحتهم يشتعل اللهب فيها ويتطاير منها الشرار , فتملكتهم الوحشية التي زرعها بهم الحاكم المغتر , وبدؤوا بقتلِ المستضعفينَ من كلِّ شارعٍ وَمَمَر, فاجتهد الغزال كي يصل إلى القبائل الأخرى , ليخبرهم أن العدو داسَ الثرى ,  فغضبوا واجتمعوا وحَمِسَ الوغى , وخاضوا الحرب بشجاعة بشعل النيران والحجارة , وأعدائهم يتربصون بهم والقذائف تتطاير فوق رؤوسهم , ويتساقط منهم العشرات , والزهور تبكي وتتذكر اللحظات , عندما كانت الغابة تزهو بأجمل الحيوانات , فَتَوَجَّسَ الغزال وناشدهم , لا تُدخِلوا الوَهل والوَجل في أنفسكم , كي تشعلوا اليدان فرحة بانتصاركم , فتيقظوا إن كان بوسعكم , فثارت حميتهم ونثروا الرعب في صفوف الذئاب , واشتد الجلاد والنصر يلوح  على الأبواب , فأصاب الذئاب خلل واضطراب , وتفرق وانسحب الجبناء , وفروا إلى غابةٍ أُخرى بعيداَ عن آثار الحرب والدماء , قبل أن تعلق جيدهم في المتالع والصحراء , وذهبوا إل قصر ذلك الحاكم , وقتلوا كل حارس غيّ ظالم , فبحث الغزال عن صانع الطغيان , فوجده يجمع أمتعته ليرحل قبل فوات الأوان , فكشف عن وجهه وابتسم , وَوَجَمَ الأسد وتيقن أنه هزم , فنظر الغزال إليه وقال : أنت يا من شئت الدمار , وأهلكت الكثير من الأبرياء الصغار , وسجنت من كانوا يودون الإعمار , فخذ هذا جزاءُكَ أيها المقاتل المغوار, وبمقتله عمت الأفراح الديار, وحُرِّرت الغابة من الأشرار.