ضاعت سنية

د. محمد أبو زيد الفقي

في قرية نائية من قرى الوجه البحري ، كانت تعيش الحاجة سنية ــ لم تحج ولكننا نكرمها بذلك ــ كانت من أسرة فقيرة ، وتزوجت من شاب فقير ، يعمل باليومية ، أنجبت ثلاث أولاد ــ بنتا وولدين ــ كانت تعمل في المنزل ، وتعمل عند الناس في تنظيف البيوت ، صحتها جيدة  برغم الفقر، وسوء التغذية ، شعرت ذات يوم بألم في الجانب الأيمن من بطنها ، نصحها الناس  بالذهاب إلى المستشفى.

رمقها طبيب خبيث  لا دين له ، ولا مروءة عنده ، نظر إليها  وكأنه يتفحص بهيمة في سوق للماشية ، الرجلين ، اليدين ، العضلات المتناسقة  والموزعة علي كل الجسد في تناسق جميل ــ معظم الفقراء الذين

لا يعرفون الرفاهية كذلك ــ طلب منها أن تذهب إلي عيادته ،

 فقالت له : أنا جئت إلي المستشفي لأني لا أملك مالاً.

ـ  أنا سأعالجك لوجه الله تعالى .

ذهبت إليه في اليوم التالي فرحة بهذه الرحمة والإنسانية  الطاغية ، كشف عليها  وأدرك لأول وهلة ، أن المغص من المصران  الصاعد ، نتيجة الزيادة في ما تأكله من بصل وكراث ــ الفقراء لا يجدون غير ذلك في الغداء ـــ ولكنه كان يريد منها شيئا آخر ، وهو سرقة كليتها ، ونقِلها لأحد رجال الأعمال الخليجيين ، الذي استأجر جناحا في فندق، وظل علي اتصال بهذا الطبيب حتى يحضر له الفريسة، بعد التحاليل.

قال لها الطبيب وهو يكشف عليها : إنك في حاجة لعملية استئصال الزائدة،  وهذا يحتاج إلي تحاليل كثيرة ، وسوف أذهب معك إلى القاهرة لعمل التحاليل اللازمة، وهناك تجري العملية.

عادت سنية من عنده تحكي وأهل القرية يتعجبون من هذه الرحمة ، والشهامة ، وفي اليوم التالي ذهبت مع الطبيب لإجراء التحاليل ، وبعد انتهاء التحاليل ، أخذوها إلي غرفة العمليات ، وحقنوها بالمخدر ، وغابت عن الدنيا ، ولما استيقظت وجدت  عدداً لا بأس به من زملاء الطبيب يباركون لها نجاح العملية ــ مجموعة من اللصوص  مثله ــ وبعد شهر في المستشفي الخاص ، خرجت سنية  تحمل في يدها ألف جنيه ، وعادت إلي قريتها  وحكت لهم ما رأته من كرم الطبيب وزملائه ، لدرجة أن أهل القرية أقسموا بالله إن مات الطبيب في حياتهم ، سيبنون له مقاما في قريتهم حتى تعم البركة .

تعافى أبو أحمد الخليجي بعد أن أخذ كلية سنية، وقالوا له : إننا دفعنا لها

ربع مليون جنيه  لأنها من أسرة غنية ، ولولا الإنسانية ما وافقت.

سافر أبو أحمد وفي يده إحدى الفنانات المصريات التي كانت تعطف عليه في مرضه، وقد كان قد دأب بالعطف عليها في صحته ، فقد كان يعطيها أموالا بلا حدود ، لمجرد أن تتصل به في أية مناسبة أو تسافر لزيارته في قصره .

بعد ثلاثة أشهر شعرت سنية بورم ومغص في جنبها الأيمن وذهبت لطبيب آخر، فطلب منها إجراء أشعة ، علي الكلى ، وكانت الأشعة مذهلة لها

ولأهل قريتها ، فقد اكتشفوا  أن الطبيب الملاك الإنسان قد سرق كلية سنية ، ولم يرحم فقرها، وحاجتها للصحة.

قدم محام من أبناء القرية بلاغا إلى النيابة ، فاستدعوا الطبيب فأنكر، وصرفوه بضمان بطاقته الشخصية وحفظوا البلاغ.

جاءتني سنية في المسجد بعد صلاة الجمعة، وقصت عليَّ مأساتها ، فقلت لها ، انتظريني غدا ، آخذك معي في سيارتي ، لأعمل لك  الأشعة التي تثبت جريمة طبيبك، وعندما وصلتُ إلى مكان عملي كانت المحاضرة الخاصة بي قد بدأت ، فأرسلت معها أحد الأساتذة من تلاميذي ، وظل معها حتى أحضر الأشعة ، وذهبت بها في اليوم التالي إلي النيابة ، لتطالب بكليتها المسروقة ، وصحتها الضائعة ، وحزن زوجها عليها حتى أصيب بجلطة ، وترك العمل ، و أصبحت كل الأسرة في مهب الريح ، وقد وجهت النيابة للطبيب التهمة المناسبة ، ولكن يبدو أن بركات

أبو أحمد الخليجي قد حلت علي الجميع ، وضاعة سنية وضاعت معها أسرتها.

وسوم: 642