ابْنُ بِضْعِ سِنين

clip_image002_01eeb.jpg

 

قِصٌّة مِنْ وَحيِ الواقِع

ابنُ بِضْعِ سنينَ ونيّف... أقبلَ وصدأُ الواقعِ في وَجهِه، ومتاهاتُ الحياةِ تقتحمُ وجنتَيْه، ومصائبُ الدّهرِ ومَصاعبُه تلوحُ في عينَيْه، وعلاماتُ اليأسِ باديةٌ عليه.. انتظرَ عندَ مدخلِ بابِ المحلّ، دونَ أنْ يَنْبِسَ ببنتِ شَفَة، رأيتُهُ، وتفاجأتُ بطريقةِ تحديقِهِ بالحاضرينَ الذينَ لمْ يكترثوا لَهُ أصلاً.. التسوّلُ مطلبُه، على الرَّغمِ مِن حداثَةِ تصرّفِه، وقلتُ لَهُ: مالَك؟ ماذا تريد؟ قال: أعطني ممّا تجودُ به نفسُك. وقتَها شعرتُ أنّ دقاتِ قلبي قدْ تَوقّفتْ، والدقائقُ والثواني قدْ تجمّدَتْ، وتَلَعثمت منْ شِفاهي الكلماتُ على غيرِ هُدى، وتيبّسَ الإحساسُ في داخلي فَجأة، واستطردْتُ في تخيُّلي: طِفلٌ صَغيرٌ يتسول؟؟؟!!، ما أقبحَ هذه الحياة!!!. وقلتُ له: مَنْ أنت؟!، قال: أنا ابنُ فلان، أبي الذي مات أثناء حادثٍ عَرَضِيّ، كانَتْ ملامحُ وَجْهِهِ هِيَ الَّتي تتحدّثُ قَبْلَ لِسانِه: أعطني ممّا تجودُ به نفسك، تفقدتُ جيوبي، فإذا هِيَ باردةٌ كبرودِ الضّمائرِ في عالمِنا العربيّ، إلّا مِنْ بعضِ قطعِ الحَلَوِيّات، فأعطيتُهُ اثنتينِ مِنها، وكنتُ أظنُّ أنّها ربما تُساعدُهُ وتُرضي نفسَهُ التوّاقةَ لأنْ يحصلَ على ما يريد.

غادرَ بابَ المحلِّ بخطًا ثقيلةٍ يحدّقُ في الحلويّات، فقلتُ في نفسي: ربما يريدُ أكثر، فتزاحمتِ الأفكارُ السريعةُ ميدانَ عقلي، وتناولتُ من صاحبِ المحلِّ قطعةً نقديةً ربما ترضي غرورَه، ولحقتُ به، وناديتُه بابنِ فُلان، فتوقَّف مباشرةً، وقلتُ له: خُذْها، واشترِ ما بدا لَك، فأخذَها منْ فَوْرِه سعيداً؛ شعرَ وقتَها أنّ الحياةَ تضحكُ لَهُ مِنْ جديد... وتوجَّهَ بها إلى البقالةِ سعيداً بما حصلَ عَليه.

ولكن...؟؟!!!.   

وسوم: العدد 661