عبدالله بن حذافة السهمي

دخلت (سهام) بنت السنوات العشر إلى غرفة الجلوس حيث تجتمع الأسرة كل يوم بعد صلاة العشاء لتناول الفاكهة وتبادل الأفكار والآراء والحوار .. قالت سهام بفخر :

ـ سألقي عليكم سؤالاً في التاريخ الإسلامي العريق .. ما رأيكم ؟

أعجبت أمها بتلك الفكرة الرائعة وقالت بسعادة :

ـ ونحن على استعداد تام لتلقي السؤال .. تفضلي ..

أراد أخوها (عصام) أن يمازحها فقال :

ـ إن كان السؤال من دروس المدرسة فقد خسرت الجولة مسبقاً ..

قالت (سهام) :

ـ لا يا عصام .. اليوم كنا نتحدث عن قضية تقبيل اليد والرأس وأن هذه الأمور هي للاحترام والتقدير فأنا حين أقبل يد أمي وأبي فأنا أحترمهما وأحبهما ، وحين أقبل رأس إنسان هذا الأمر لاحترامي وتقديري لذلك الإنسان ، فقالت لنا المعلمة :

ـ ألا أخبركن يا بناتي عن الصحابي الذي قال عنه الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) :

ـ " حقَّ على كل مسلم أن يقبل رأس عبدالله بن حذافة ، وأنا أبدأ بذلك "

فقلنا لها :

ـ طبعاً أخبرينا عن ذلك العملاق الذي يريد الفاروق (رضي الله عنه) أن يقبل رأسه كل المسلمين وهو أول من بدأ بذلك .. فقالت :

في السنة التاسعة عشرة للهجرة بعث سيدنا عمربن الخطاب رضي الله عنه جيشاً لمحاربة الروم ، وكان (القيصر) حاكم الروم وزعيمهم قد سمع عن الإسلام ومحبة رجال المسلمين لنبيهم عليه الصلاة والسلام .. فطلب من أعوانه أن يحضروا له أي أسير مسلم يقع في أيديهم .. فوقع عبدالله بن حذافة في الأسر .. فأخذوه إلى (قيصر الروم) فعرض عليه أن يدخل في دين النصرانية ويفك أسره ولكنه رفض وبشدة ، ثم عرض عليه أن يشاركه نصف ملكه مقابل أن يترك الإسلام ، ولكنه أبى وبشدة أكبر .. فأمر أعوانه بصلبه على خشبة تكون على شكل صليب .. وأمر برميه قريباً من يديه ثم عرض عليه النصرانية فرفض ، ثم أمر أن يرمى قريباً من رجليه ثم عرض عليه النصرانية ، فرفض أيضاً ، ولما رآى إصراره أمر بقدر أي وعاء كبير فيه زيت وأوقد تحته النار ، وأمرهم أن يحضروا له أسيرين من أسرى المسلمين وقذف الأول في القدر فذاب لحمه فيه ، ثم عرض عليه النصرانية فرفض كذلك ، ولما يئس منه أمر أعوانه أن يقذفوه في القدر كما فعلوا بصاحبيه .. ولما اقتادوه إلى القدر دمعت عيناه ، فذهب أعوان القيصر يخبرونه بذلك .. ففرح القيصر وظن أنه انتصر عليه فأمر بإحضاره إليه ، فسأله عن سبب بكائه فقال : أنه كان يرجو من الله لو كان عنده بعدد ما في جسده من شعر أنفس تلقى كلها في القدر في سبيل الله .. وعندها قال القيصر :

ـ قبل رأسي وأخلي عنك ..

ولكن البطل أبى إلا أن يأخذ معه جميع أسرى المسلمين .. فوافق القيصر .. فقبل عبدالله رأس القيصر وعاد إلى المدينة ومعه أسرى المسلمين .. ولما روى لسيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ذلك قال تلك المقولة الشهيرة وقام وقبل رأس البطل عبدالله بن حذافة السهمي ..

كانت الدموع تتساقط من عيون الحاضرين والحاضرات .. قال (عصام) :

ـ هكذا الرجال لا يخافون في الله لومة لائم ..

وسوم: العدد 702