حديث نفس

لم أكن يوما بشاعر ، على قدر ما أحب أن أكون ، ومع هذا فإنني أنتشي طربا حين يناديني أحدهم بالشاعر ، وأتصنّع الخجل من باب التواضع ، وبالرغم من هذا فإن بعض أصدقائي الشعراء يستشيرونني أحيانا في بيت ما أو لفظة ما ، بل قد يتعدّى الأمر لأن يصرّوا عليّ باقتراح لفظة أو شطر ، أو بيت ربّما ، ولا أجد في ذلك ضيرا ، بل إني أسعد كثيرا لاستشاراتهم تلك ، وأسعد كثيرا أنهم يشعرون بأني (شغلة) على خلاف ما أنا عليه حقيقةً ..

ولكن الأمر الذي ما يزال له في نفسي شعوران متناقضان ، أحدهما شعور رضىً ، والثاني شعور سخط ، هو أنّ صديقةً عزيزة على قلبي طلبت مني أن أكتب قصيدة أمدح لها فيه مسؤولا كبيرا في الدولة ، كرشوة لقبولها في وظيفة تقدّمت هي إليها ، علما بأنها أولى المتقدمين لتلك الوظيفة من حيث كل متطلبات الوظيفة ..

المهم وتحت رجاءات كثيرات ، لم أستطع كسر خاطرها ، خاصةً مع علمي بحاجتها الماسة للوظيفة ، فجلست وهي في مقصف كلية الآداب ، ونظمت لها في ذاك الأبله كلاما موزونا ومقفّىً ، لو أنّ أحدا أسمَعَنيه لمسحت الأرض فيه ، وبالفعل كانت الأمسية في اليوم التالي ، وحضر الأمسية ذلك الكائن الأحمق ، وحضر معه كوكبة كبيرة من الحمقى والمغفّلين ، وقامت تلك المسكينة بإلقاء نصوص لها نصف رديئة ، ثم ألقت النصّ الرديء الذي كتبته لها عن الرديء الجالس في الصف الأول ،  وكان  إلقاؤها غايةً  في  الرداءة ، فما تركت حجرا على حجر ، فصفق لها كل الرديئين في القاعة بمن فيهم أنا ، ثمّ أرادت أن تجزي بالإحسان إحسانا ، فقدّمتني لإلقاء قصيدة على المسرح ، وكان أن قدمتني ب : صديقي وأستاذي ..

المهم وأعود للشعورين المتناقضين ، فلقد كنت راضيا غاية الرضى أنّ السيد المسؤول تورّدت وجنتاه الحمر بالعرق على قد ما فرح ، وعيّن تلك الفتاة في تلك الوظيفة ، وأما سخطي فقد كان على ثلّة من الشعراء الذين حضروا ، وقالوا للمسكينة : كنت مذهلة ، حتى أن أحدهم عتب عليها وبشدة أن قدّمتني ب(أستاذي) ، وقال لها بالحرف الواحد : هذه لم أرضها منك ، اسمحي لي أحيي فيك تواضعك ، ولكن ليس لهذا الحد : إنت وين وهو وين ..

فانظروا إلى الابتذال والنفاق والكذب ..

بالمناسبة : صديقتي منذ أن توظفت في تلك الوظيفة المرموقة ، لم تعد تعيرني أيّة أهميّة ، ومع هذا لست بنادم أنني ساعدتها ، ولو تكرر الأمر مع علمي بما سيحصل لفعلت ذات الأمر ، فأنا موقن بأن الغاية (تبربر) الوسيلة ..

أما الذين دعاني لكتابة هذه القصة القديمة ، أنّ إحدى المسكينات ، كتب لها أحد التافهين نصّا ، هو في أحسن أحواله أتفه من النص الذي كنت كتبته بيدي اليسرى لتلك المسكينة ، والأنكى أن مسكينتنا الأخيرة لا مبرر لها لتنشر مثل هكذا نص ، سوى فرط غبائها ، في حين لا مبرر للذي كتب لها سوى فرط سقاطته ، والطامة الكبرى أن كليهما يعلم أنني سأعلم ..

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ، فيا فوز المستغفرين ، استغفروا الله ..

خطبتنا القادمة عن دكتور أنجز ديوانا كاملا لإحداهنّ والديوان قيد الطباعة ..

من كتابي : آخرتها إيه ويّاك ..

وسوم: العدد 723