وطن المنفى

د. مريم عبد الجبار

اخذت تلك المدينة الكبيرة تصغر وتصغر .كلما ارتفعت به الطائرة الى الاعلى الى ان تلاشت خلف السحب 

فرت دمعت حزينة من عينيه .من اكثر من 12 سنه لم يبكي على رحيله من هناك ولكنه اليوم بكى .ولا يدري لماذا .لطالما احس بان وطنه كان ظالما له .انه طالما قلل من مكانته .

ولكنه في ذلك الصيف الحزين شعر بشيء لم يكن يعرفه بالماضي .كأن شيء ايقظه .

ربما لانه مضى اكثر من 6 سنوات على اخر مرة زار فيها بلده .

ربما لانه كان مترددا من جدوى هذه الزيارة وراغبا في الغائها ؟

ولكن اصرار اخته الصغيره على حضور حفل زفافها جعله يوافق على الحضور .

وربما لانه عندما شاهدها عروسا جميلة تذكر يوم ان بكت على رحيله طوال طريقهم للمطار .وتذكر في لحظات كم كان يحبها .

وكأنها ايقظت فيه انسانا لطالما حاول نسيانة .انسانا دائما ما احب بلاده .كما احب اخته الصغيرة .

ربما اجتاحه عواصف الالم عندما رأى والده وقد اكتسى الشيب شعره وفقدجزءا كبيرا من اسنانه .كيف ؟ كيف لم يلحظ ذلك ؟ 

لقد كانت قريته كما هي بشوارعها القديمة وازقتها الضيقة لم تتغير .

ولكن ما تغير فيها هو اناسها .

اناس رحلو واناس جاءوا ما عاد يعرف احدا منهم .

ولكن .ما الم قلبه حقا جدته .؟ 

لطالما جلس في حضنها الدافىء ولطالما احب حكاياتها العجيبة .كيف .كيف ترحل للعالم الاخر دون ان يخبره احد ؟

وعندما سأل اخته الصغيرة قالت : ما عدت تسأل عنها ؟ لا اذكر انها جاءت يوما في حديثك ولذلك لم اتخيل ان للامر اهمية لديك .

لا يدري لماذا ولاول مرة احس بان قلبه ينفطر .

ولماذا امسك مرأته في الطائرة واخذ يدقق بملامح نفسه 

انه ليس هو .

اجل لقد غيرته الغربة لانسان اخر ربما كان اكثر مالا ولكن بلا احساس .

و فوق كل تلك الاحداث المؤلمة 

شاهد خطيبته السابقة ميس تحمل ابنها الصغير في ذلك العرس .عرس اخته .

وعادت له ذاكرة الايام عندما ودعته ميس في المطار .و هي دامعه العينين .وعادت لقلبه خفقاته القديمة يوم ان غادر وطنه لاول مرة .ونظر بعيون الاسى لمن يحب واقسم انه لن يطيل الغياب .

ولكن .ولكنه اليوم صار يشعر بغربة الوطن .ماعادت شوارعه الضيقة و ازقته تناسب ثيابة الباهضة 

وما عادت لغة الناس فيه مفهومة لديه .هل بدأ يتحول ؟ 

ربما انه بدأ يتحول لشخص اخر ؟ 

هو نفسه لا يدري من هو .لقد كان يعرف ان اسمه جميل ؟

ولكن 

السيد جاك ويلسون ...السيد جاك ويلسون 

plz where is mr jake ? 

نظر اليه  موظف الجوازات في المطار بتعجب 

what the matter with u 

ما خطبك )(ترجمة 

حقا ..هل انا جاك ؟ لقد غيرت حتى اسمي ؟ 

لماذا ؟ 

yes sir   اجاب  جاك ( جميل  (

حدق به موظف المطار و ختم على الجواز welcome 

نظر جميل الى صورة جوازه ابتسم 

لقد عرف انه يوم غادر بلده لم يخسر شيئا واحدا .

الا نفسه .ملامحه 

ولكنه وبرحيله عن بلده كسب رجلا اخر لم يكن ليكون عليه اليوم .يسمى جاك 

تبدد ذلك الحزن في قلبه قليلا قليلا 

وعاد جاك يبتسم كلما اقترب من بلاده 

او مما يسمى مهجره .او ما يسمى وطن المنفى 

وسوم: العدد 743