النظرات المستجدّة .. في مواجهة الحكومات المستبدّة !

(نصائح للمعارض الديموقراطي ، في مواجهة نصائح ميكيافيللي ، للأمير المستبدّ )

 1) اقرأ كتاب (الأمير) بعمق وإمعان ، لتعرف كيف ينصح حاكمه المستبدّ ، وكيف يعمل حاكمه بنصائحه.

 2) قارن بين ماكتبه ميكيافيللي ، في كتاب الأمير ، وبين سلوكات الحكّام الحاليين المستبدين ، لتكتشف أنه أنبل ، بكثير، من سائر الحكّام الذين تتلمذوا على أفكاره ! وأن نصيحته الأساسية ، التي تقوم عليها فلسفته كلها ، هي محافظة الحاكم على كرسيّه ، بشتى السبل النبيلة ، أولاً ، والقذرة في حال الاضطرار ..! بينما أكثر تلاميذه ، لايسلكون ، مع شعوبهم ، سوى السبل القذرة ، في التعامل ! لأنها هي الأساس ، في نظرهم ! بينما السبل النبيلة ، أمور ثانوية ، في نظرهم ! بل ربّما عدّها بعضهم ، نوعاً من الترف الممجوج ! وربما عدّها بعضهم شذوذاً ..!

 3) احرص على أن تكون أنبل من ميكيافيللي ، ومن أميره ، ومن تلاميذه ، جميعاً ! لأن رسالتك ، أكرم من رسالة ميكيافيللي وأميره .. فرسالتك هي تحرير الناس من الاستبداد ، بينما رسالة ميكيافيللي وأميره ، هي المحافظة على الحكم المستبدّ ، الذي يغتصب من الناس حقّهم ، في حكم أنفسهم بأنفسهم !

 4) احرص على ألاّ يلوّث سجلّك ، في مقاومة الاستبداد ، بنقطة دم واحدة ، مااستطعت.. فالاحتكام إلى حوار العقول والقلوب ، أجدى من الاحتكام إلى محاورة السيوف بالسيوف ! وربّما كان طريق الحوار العقلي القلبي ، أطولَ، لكنه أجدى، وأنفع، وأبعد مدى ، وأعمق تأثيراً .. من محاورة السيوف بالسيوف..!

 5) حاور العقلاء جميعاً ، إذا استطعت .. من أنصارك ، والمحايدين ، وحتى من أعدائك وخصومك ! واحذر أن تضيع وقتك وجهدك ، في محاورة الأغبياء ، والحمقى ، والإمّعات ، الذي يأخذون أوامرهم ، وقراراتهم ، وأفكارهم .. من عقول غيرهم ..!

 6) لاتبخل على الحاكم المستبدّ بنصحك .. واحرص على أن تنصح العقلاء ، المحيطين به ، كلاً منهم ، من خلال ماتعلم ، أن تفكيره منشغل به ، من قضايا (فكرية ، مصلحية ، إنسانية ، سياسية ، اجتماعية ، خلقية ..). فربّما وجدتَ فيهم رجالاً ونساء ، يحبّون شعوبهم وأوطانهم ، أكثر من حبّهم للحاكم المستبدّ ! وأن سَيرهم مع المستبدّ ، إنما هو بدافع الحرص ، على تقديم نفع للشعب والوطن ، أو دفع أذى عن الشعب والوطن !

 7) اعلم أن الحاكم لايحكم بنفسه ، بل بمَن تحت إمرته .. وهؤلاء يَحكمون بمَن تحت إمرتهم وهكذا ..! فعليك اختراق السلسلة ، من كل نقطة تستطيع النفاذ منها ، ولاسيّما النقاط الأعلى ، القريبة من الحاكم ، بمن في ذلك رجاله الأدنَون ، ورجال أسرته ..!

 8) كل نقطة قوّة تكسبها ، تساعدك على اكتساب نقطة أخرى . فاحرص على الكسب التراكمي للنقاط ، ولا تبدأ في كل مرّة من الصفر!

 9) اعرف حاكمك الذي تواجهه ، جيداً : اعرف أخلاقه وطباعه ، ومصادر ثقاقته ، والعناصر التي يستشيرها ، ويركن إلى استشارتها ، من رجاله ، ومن غيرهم .. واحرص على معرفة عناصر القوّة والضعف لديه : ( البدنية ، والنفسية ، والفكرية، والثقافية ، والأسرية .. ومن باب أولى عناصر القوّة والضعف ، في تركيبة حكمه، العسكرية ، والسياسية ، والأمنية ، والاقتصادية ، والاجتماعية..!) فهذا هو حقل عملك ، الذي تصدّيت للعمل فيه ، وبذل الوقت والجهد ، والنفس أحياناً ! فلا تخْط خطوة ، لاتعرف تأثيرها في الحاكم ونظامه ـ بما فيه من رجال ومؤسّسات ـ وجدواها ، بالنسبة لهدفك الذي تسعى إليه ..!

 10) اعلم أن المكر نوعان : حسن وسيّء ! فابتعد عن المكر السيء ، قدر استطاعتك ، واحرص على المكر الحسن ، الذي يساعدك في تحقيق هدفك الحسن !

 11) لاتجعل إيذاء خصمك هدفاً لك ، قائماً بذاته ، سواء أكان الإيذاء مادياً ، أم معنوياً. واحرص على تحقيق هدفك الأصلي ، الذي هو تحرير شعبك من العبودية . فإذا كان خصمك ، يرى في مجرّد سعيك لتحرير شعبك ، إيذاء له ، فهو المسؤول عن إيذاء نفسه !

 12) اعلم أن لكل بناء أسساً وركائز، يقوم عليها ، بما في ذلك بنيان الحكم المستبدّ! فاحرص على معرفة الأسس والمرتكزات ، التي يقوم عليها بنيان حاكمك المستبدّ ، واحصر همّك في تدمير هذه الأسس والمرتكزات ( بشرية كانت ، أم مادية ، أم معنوية .. سياسية كانت ، أم عسكرية ، أم أمنية ، أم حزبية ..!) ولا تضع وقتك في تحطيم الديكورات ، والعناصر الشكلية والتزيينية ( بشرية كانت ، أم مادية !).

 13) كن موضوعياً منصفاً ، حتى في حديثك عن سلبيات خصمك وإيحابياته ! فلا تصخّم السلبيات ، وتنكر الإيجابيات ، أو تقلل من حجمها الحقيقي! فإن أبناء شعبك ، الذين فقدوا الإنصاف ، لدى حاكمهم المستبدّ ، يحبّون أن يروا هذا الانصاف ، لدى الجهة التي تعارضه ، وتسعى إلى حكمهم بدلاً منه ! فإذا وظّف الحاكم ، إشارتك إلى إيجابياته ، في صفوف العامّة ، ليكسب تأييدها .. فإن العقلاء من أبناء شعبك ، يرون في هذا شهادة حسن سلوك لك ، أكثر ممّا يرونه شهادة حسن سلوك للحاكم ! فمجرّد استبداده بالحكم ، هوسلبية قاتلة ، لديه ، لاتمحوها الإيجابيات الصغيرة ، التي تظهر في مواقفه وسلوكاته !

 14) تخفّف ، مااستطعت ، من التفصيلات الجزئية ، التي تثـقل حركتك باتجاه هدفك، وركّز جهودك على كل ماهو أساسي ، وكبير القيمة والتأثير، في مجال عملك !

 15) كرماء الناس يتنافسون في الأخلاق الحميدة ، فلا تدع خصمك يجرّك إلى مستوى متدنّ ، من الكذب والغشّ والنفاق ، لتجاريه في سلوكه ، فتخسر ثقة الناس بك ، ويربح على أكتافك ، بقاءه في كرسي الحكم ! لأن الناس لايحبّون إجهاد أنفسهم في إسقاط حاكم فاسد ، ليجلبوا بدلاً منه ، فاسداً غيره ، حتى لوكان أقلّ منه فساداً !

 16) لاتسقِطْ أخلاقك بحجّة العمل العامّ ؛ فسقوط الأخلاق الشخصية ، يسقطك بغير كسب سياسي ! أمّا الأخلاق السياسية ، فيغنيك عن إسقاطها ، التزامك بقواعد المكر الحسن..! فإذا سقطتَ خلقياً ، وأنت في المعارضة ، ظللت في نظر الناس ساقطاً، سواء أحقّـقتَ هدفك في إسقاط الحاكم المستبدّ ، أم لا! واعلم أنه ليس في الدنيا كلها، ثمن يعدل سقوط الأخلاق ، حتى لوكان هذا الثمن هو المدينة الفاضلة ، التي حلم بها بعض فلاسفة العصور!

 17) إذا كانت سلبيات موظفي الدولة ، تُحسب على الحاكم ، وتسجّل في سجلّه، وتؤدّي إلى تشويه صورته ، في نظر الناس ! فاعلمْ أن سلبيّات الأفراد ، في المعارضة ، تُحسب على المعارضة جميعاً ، سواء أصدرت السلبيات من قائد ، أم من فرد عادي ! وسلبيات القائد أشدّ فتكاً وتأثيراً ، في سمعة المعارضة ، من سلبيات أيّ فرد آخر، من الخاضعين لقيادته !

 18) معركتك السلمية ، في المعارضة ، مع حاكمك المستبدّ ، معركة فكر، وذكاء، وإبداع ، وابتكار مستمر متجدّد ، للبدائل الممكنة والمجدية ، ضمن ظروف متغيّرة ، وعلاقات متشابكة ، في القوى والمصالح ، الداخلية والخارجية.. فاحرصْ على معرفة القوى الداخلة في معركتك ، داخلياً وخارجياً ، ومعرفة أحجامها وتأثيراتها ، والمصالح التي تريد تحقيقها .. لتتمكّن من تحديد ساحة معركتك ، ولتعرف كيف تحسب معادلاتك السياسية ، ضمن هذه الشبكة من العلاقات ، ولتستطيع توظيف بعض القوى ، أو تحييدها ، عن طريق تحقيق مصالحها ، التي لا تتناقض مع مصالح بلادك ، القريبة والبعيدة ! فصراع اليوم ، لم يعد صراع مدن مغلقة ، أو دول تحيط بها أسوار حديدية ! بل هو مفتوح على العالم كله..! وربّما كانت دولة بعيدة ، لها مصالح وتأثيرات ، في ساحة صراعك مع حاكمك ، أقوى من أيّة قوة داخل دولتك ، أوفي الإقليم الذي تنتمي إليه دولتك ..! وبناء على ماتقدّم كله ، أنت ملزم ، بحكم الهدف الذي ندبتَ نفسك لتحقيقه ، بأن تقوّي نفسك ، بأقوى الخبرات والمعارف ، السياسية والقانونية والأمنية ..!

 19) أنت وخصمك الحاكم ، الذي تسعى إلى إسقاطه ، طرفان في معادلة قوى واحدة : كل نقطة قوّة لديك ، تجعله أضعف ، وكل نقطة ضعف لديك ، تجعله أقوى! والعكس بالعكس .. فإن نقاط قوّته وضعفه ، تنعكس عليك قوّة وضعفاً ! فاحرص على الإكثار من نقاط قوّتك ، والتقليل من نقاط ضعفك . واحرص على أن تجرّ خصمك ، إلى مواقف تكثر فيها أخطاؤه ، التي لاينعكس أذاها على الآخرين ! وعلى أن يفقد أكبر قدر من نقاط قوّته ، لتتمكّن من التغلّب عليه ، في النقاط ، وفي تراكم القوّة لديك ، وتراكم الضعف لديه ، إذا لم تتمكّن من التغلّب عليه بالضربة القاضية.

 20) الاعتذار عن الخطأ ، ليس مجرّد فضيلة ، فحسب ! إنه مظهر حقيقي ، من مظاهر الشجاعة الأدبية ، والثقة بالنفس! وهو مطهِّر من الخطأ ، الذي يقع فيه المرء، في داخل نفس صاحبه ، إذا كان صادقاً بينه وبين نفسه ، ومطهِّر أمام الآخرين ، الذين رأوا الخطأ ، ونظروا إلى صاحبه نظرة سلبية . أمّا المكابرة ، وإنكار الخطأ، ومحاولة التخلص منه ، أو من تبعاته ، بحذلقات كلامية .. واتّهامُ الآخرين ، بأن لديهم أخطاء مثل خطئه ، وأكبر منه .. أمّا هذا كله ، فلا يزيد صاحبه ، في نظر الناس ، إلاّ سقوطاً ، وما يزيدهم إلاّ نفوراً منه ، وضعف ثقة ..! فاحرصْ على الاعتذار، كلّما بدر منك خطأ يعلم به الناس ..! وإذا كان الخطأ المنشور مبالغاً به، أو فيه مغالطات .. فاحرص على تبيان مافيه ، للناس ، بشجاعة وصدق ! فهذا ممّا يرفعك عندهم . وإذا كنت قائداً ، فادفع مرؤوسك المخطئ ، إلى الاعتذار العلني ، إذا كان خطؤه سيؤثر سلباً ، على عملك السياسي ، في كسب ثقة شعبك ! أو اعتذرْ أنت عنه ..! فالناس يحبّون أن يروا الإنسان الصادق معهم ، لاسيّما إذا كان يطلب منهم التعاون معه ، لتحريرهم من الاستبداد! 

وسوم: العدد 761