الحرس الثوري لا أحد سوانا سيفاوض ترامب

صرّح قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري قائلا: "هناك صوت واحد في إيران حول التفاوض مع الولايات المتحدة، وأن الشعب الإيراني لن يعطي مثل هذا التفويض لأي أحد". المعلومات الصحفية المتداولة حول رسالة الرئيس "حسن روحاني " إلى الرئيس ترامب، والمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية" بهرام قاسمي" يرد: بأنه لم يكن مطّلع على أي رسالة إلى الرئيس الأمريكي تصريح الحرس الثوري يأتي بعد إعلان استعداد "دونالد ترامب" للتفاوض مع إيران.

 الرئيس الإيراني "روحاني" وفي لقاء له بالأمس على التلفزيون الإيراني يرد فيه على اقتراح أمريكا ببدء التفاوض مع إيران ويتهمها بشن حرب نفسية على إيران حيث قال: إن تصريحات "ترامب" لا تخرج عن أمرين؛ إما أن تكون دعاية انتخابية داخلية، وإما حربًا نفسية تستهدف إيران وشعبها المقاوم.

 لقد أراد الرئيس "روحاني" من خلال لقاءه المتلفز الليلة الماضية، توجيه جملة من الرسائل للداخل والخارج. والانطباع الأولي: هو أن رجال الأمن والسياسية توصلوا إلى نتيجة مفادها ضرورة فتح باب التفاوض المباشر قبل فوات الأوان، لكن الإشكالية الرئيسة في الجهة التي ستنال شرف القيام بهذه المهمة.

 الحديث على أشده يتوارد من العاصمة" طهران" هذه الأيام عن العلاقة مع الولايات المتحدة، والتحاور معها بات ساخناً جدا، ولكن كالعادة يتم سماع آراء مكررة ومتناقضة، بل ومتضاربة لدرجة كبيرة من كلا الجانبين. فلا شك بأن الوضع اليوم مختلفٌ تمامًا عن الوضع في 2014م عندما تم التفاوض مع إدارة "أوباما" الأخيرة، حول الاتفاق النووي الذي أبرم في حزيران من العام 2015م. بالنظر إلى الوضع الداخلي المشتعل في إيران، وبالنظر إلى المسافة الكبيرة الموجودة بين النظام والمجتمع الذي بدأ يطرح شعار الموت "لخامنئي" و"روحاني" و"لسوريا "و"فلسطين" و"غزة"، جهاراً نهاراً ...

 في الواقع إن تكلفة هذه الضغوط الخارجية على إيران وبخاصة من الولايات المتحدة ستكون باهظة على النظام الإيراني هذه المرة، فقادة طهران يواسون أنفسهم، ويقولون إنهم قد مرّوا في ظروف مشابهة في الماضي وخرجوا منها منتصرين، واستطاعت بشكل أو بآخر التعامل معها من خلال " المقاومة البطولية "، وبذلك كانت تتمكن من الخروج بسلام من الأزمة ولكن يبدو أن ظروف الأزمة الجديدة مختلفة، وستكون تكلفتها عالية، ولا خيار أمامها سوى التفاوض والتنازل مرغمة.

 وهذا ما عبر عنه "جون بولتون"، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، وهو من المعارضين الأشداء لإيران بقوله: إن التفاوض هو الخيار الوحيد أمام إيران، وأضاف اقتراح الرئيس "ترامب" هو أن تتخلى عن برنامجها النووي والصاروخي، وتعلن انسحابها من الشرق الأوسط.

الارتباك الأوروبي

 الأوربيون هم كذلك مرتبكون، فمع بدء سريان العقوبات الأميركية؛ كثّفت دول الاتحاد الأوروبي من مساعيها لمواجهة الإجراءات الأمريكية حفاظًا على الاتفاق النووي بين أوروبا وإيران؛ فبادرت أوروبا إلى وضع سلسلة من القوانين، لحماية الشركات الأوروبية التي أبرمت عقودا مع إيران، لكن رد فعل "دونالد ترامب" على هذا الإجراء الأوروبي كان قاسيا وحاسما حيث قال: "إن كل من يتعامل مع إيران، لن يكون بمقدوره أن يتعامل مع أمريكا".

 بنما أعلنت مفوضة السياسة الخارجية الأوروبية "فدريكا موغريني" تمسكها بالشراكة حيث قالت: "إن دول الاتحاد الأوروبي قد فعلت قوانينها الرادعة، والتي تهدف إلى المحافظة على الشركات المتعاقدة مع إيران، وحمايتها من العقوبات الثانوية التي تقوم بها أمريكا خارج حدودها، ونحن نعتقد أن مسألة تحديد الجهة التي يتوجب على الأوروبيين أن يتاجروا معها؛ هي مرتبطة بالأوربيين أنفسهم، وليس لأي طرف القدرة على منعها ".

 قبل ساعات قليلة من سريان مفعول العقوبات هبطت في إيران خمس طائرات أوروبية الصنع من طراز (itr)، وهذا دليل آخر على مدى قلق الشركات الأوروبية من موضوع الاتجار مع إيران في مرحلة ما بعد العقوبات، مما اضطر شركة ايرباص إلغاء كامل الصفقة والمقدرة ب "106" طائرات، والمركزي الأماني يرضخ في النهاية، ويجمّد مبلغًا قدره 400 مليون يورو لإيران، حيث كان يفترض تحويلها إلى طهران، استجابة للضغوط الأميركية، وواشنطن تشكر برلين على هذه الخطوة المهمة التي تؤكد على أهمية الشراكة الإستراتيجية بين الدولتين.

 بموجب القرارات الأوروبية الرادعة؛ سيقوم الاتحاد الأوروبي بدفع الخسائر التي تتكبدها الشركات المتعاقدة مع إيران في التجارة المشروعة إذا طالتها أية عقوبات أمريكية، من عائدات مصادرة الأصول المالية الأمريكية في أوروبا. إذاً هي سياسة المواجهة بين الحلفين أوروبا وأميركا، والتي دخلتا في معركة نشطة لمكاسرة الإرادات السياسية، لكن من سينتصر في النهاية، حتماً أميركا، وبإجابة مختصرة لأن بنك الاستثمار الأوروبي وهو الذراع الاقتصادي لأوروبا أعلن بشكل جلي بأنه لا يمكنه مواجهة أذرع أميركا المالية، وأن الجو المشحون بين الطرفين هو سياسي بامتياز.

 من جانبه امتدح "بنيامين نتنياهو" -العدو اللدود للاتفاق النووي-قرار "ترامب"، وانتقد الموقف الأوروبي قائلا: أنا أشكر "ترامب"، كما أشكر دولة أمريكا لقيامهم بتفعيل العقوبات. إنها حِقبة مهمّة لإيران وأمريكا، وللمنطقة وكل العالم. وهذا الإجراء دليل على صدق الإرادة لردع السياسات الإيرانية المعتدية في المنطقة كلها. وإجهاض مساعيها الرامية إلى حيازة السلاح النووي، معتبراً موقف بعض الدول الأوروبية مخيبًا للآمال.

المرجعيات التي تستند عليها الرؤية الأوروبية، ومدى فعاليتها

 إن خروج الشركات الأوربية أو بقائها، وإجراءات الدول الأوروبية لمواجهة العقوبات الأمريكية؛ يمكنه أن يُحدد مستقبل العقوبات، ومدى تأثيرها. فقرارات دول الاتحاد الأوروبي المتمثلة بإغلاق الحسابات، أو اتخاذ إجراءات رادعة؛ قد تم تفعيلها، حيث وضعت هذه القرارات للمرة الأولى عام 1996م، وجاءت ردًا على العقوبات الأمريكية العابرة للحدود التي استهدفت إيران وليبيا وكوبا، ولكن الأوروبيون والأمريكان تمكنوا في حينه من إبرام اتفاق سياسي، ولم تطبق القرارات الأوروبية آنذاك.

 والأوربيون يقولون: هناك مظلة قانونية للشركات الأوروبية التي تريد متابعة أنشطتها التجارية مع إيران، إذ يمكن تجاهل العقوبات الأمريكية بناءً على هذه المظلة، وإن تضررت بعض الشركات الأوروبية من العقوبات؛ فإن من الواجب على الدول الأوربية أن تعوّض تلك الشركات التي تضرّرت. وفي جانب آخر من المظلة القانونية هناك نصّ يلزم الشركات الأوروبية بعدم رعاية العقوبات الأمريكية، وأية شركة لا تنصاع لتلك العقوبات؛ سوف تدفع غرامة مالية. لكن هنا ينبغي التنويه، أنه تمّ تحديد الأشخاص التي تطالهم العقوبات بدقة؟ فالعقوبات ستشمل كل الأشخاص الأوروبيين الذين يحملون الجنسية الأوروبية ويقيمون في أوروبا. وعلى سبيل المثال لا الحصر لو كان هناك شخص فرنسي أو بلجيكي مقيما في أمريكا يتوجب عليه احترام تلك القرارات. كما تنطبق هذه القرارات على الشركات المقيمة في دول الاتحاد الأوروبي، حتى لو كانت تلك الشركات شركات أوروبية. أما المسؤول عن تطبيق هذه القرارات، هي الدول الأوروبية الثمانية والعشرين التي تنطوي تحت مظلة الاتحاد الأوروبي. وتقوم حكومات دول الاتحاد بالإشراف على حسن رعاية القرارات. وفيما لو تخلف أحد عن تطبيق القرارات؛ تستطيع تلك الدول تغريمه؛ غرامة متناسبة ومؤثرة ورادعة.

 لكن ماذا عن شركة توتال وشركة "ديلمر" و" مرسيدس " الألمانية، التي كان من المقرر أن تقوم هذه الشركة بإنتاج شاحنات "المرسيدس-بنز" في إيران بالتعاون مع شركة "إيران خودرو" وشركة إيرباص ... التي أعلنت أنها ستوقف أنشطتها في إيران الآن إذا حصلت الشركة على إذن من المفوضية الأوروبية، فلن يتم تغريمها بسبب انسحابها من إيران. ولكن إذا لم تتمكن من الحصول على الإذن، فإن الحكومة الألمانية ستفرض غرامة على هذه الشركة" عندما نتحدث مع الكثير من الخبراء هنا، فإنهم يعتقدون أن هذه القرارات لن تؤثر على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي لا تملك تعاونا مع الولايات المتحدة، لذلك فإنها تستطيع مواصلة التعاون باليورو مع إيران، أما الشركات الكبرى فإن استمرار التعاون مع إيران، سيعرضها لضربة قاصمة.

 ومن المستبعد أن تستطيع هذه القرارات الأوروبية، الحدّ من تطبيق العقوبات والتخفيف من آثارها المحتملة على الاقتصاد الإيراني. حيث خلقت هذه القضية جوًا من التوتر والاضطراب، مما سيؤثر في المستقبل على نيّة الشركات الأوروبية بالاستثمار في الاقتصاد الإيراني، وسيثير لديهم علامات استفهام كثيرة أهمها هل هذا الاستثمار سيكون مجديا، وذو قيمة في ظل هذا التوتر" الحاصل سواء على الصعيد الداخلي الإيراني، أم الخارجي؟

وسوم: العدد 784