انسحاب أميركا من سوريا وإعادة الانتشار في العراق: رسالة لإيران

قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب العسكري الكامل للجنود الأمريكيين من سوريا، والبالغ عددهم 2000 جندي خلال فترة تتراوح ما بين 60-90 يومًا بعد نجاح بلاده-على حد قوله-في هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي،  وقد بدأت مجموعة من التحليلات والتكهنات  على المستويين الإقليمي والدولي ، حول  دوافع الانسحاب المفاجىء والآثار والتداعيات وهل تهدف إلى تعزيز  الإستراتيجية الأمريكية  والقائمة على أساس  تحجيم النفوذ الإيراني في العراق أولاً ، والذي يشكل رأس الحربة لطهران للعبور إلى المنطقة ؟ ، في الوقت الذي تكثف فيه إدارة ترامب ضغوطها القصوى لمحاصرة إيران،  وفق المرتكزات التي أعلنت عنها واشنطن والمكونة من ستة محاور و12 مبدأ  ، والتي تتبلور حول الحد من المجال الحيوي الإيراني ، و تحجيم نفوذ إيران  الإقليمي، ووقف برامج الصواريخ الباليستية، وحرمانها من إعادة تخصيب اليورانيوم ، ووقف دعم للإرهاب ودعم وكلائها  في المنطقة لا سيما في العراق وسوريا واليمن .

ربما أن إيران قد تسرعت كثيرا في إعلان نشوتها وفرحتها  حول الانسحاب الأميركي في سوريا وعبرت عن شعورها بعظمة الانجاز الذي تحقق وعزته إلى التضحيات التي تحققت ، صحيح أن واشنطن قد تركت مساحات فراغ في سوريا ، وأنا إيران لهثت نحو ” إستراتيجية ملئه ” ، لكنها لم تدرك  أن قرار الانسحاب الأمريكي من العراق 2011 الذي هاجمته إدارة ترامب أثناء حملتها الانتخابية كان خطأ إستراتيجياً، إذ ترك القرار فراغًا استغلته إيران لمد نطاق نفوذها إلى العراق  عبر  ميليشياتها المسلحة  ووكلائها ، ودفعتهم نحو مراكز السيطرة على مؤسسات  صنع القرار، ودفع الميليشيات للسيطرة على مناطق العراق المفيد  في المحافظات الجنوبية الغنية بالنِّفط، واستغلال المناطق المحررة من تنظيم «داعش» في زرع أبناء المكون الشيعي لتغيير التركيبة الديموغرافية العراقية التي  انتشرت فيها شرارة العنف الطائفي .

من المؤكد أن إعادة الانتشار  الأميركي في العراق سيحد من حيث إطلاق يد الإيرانيين هناك  بعد تعزيز  القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في العراق بما يمكنها من سهولة تنفيذ مخططات التموضع الأميركي في العراق من جديد ،  وتوسيع نطاق النفوذ والسيطرة على إدارة مفاصل الدولة ومؤسساتها وصنع قرارها بل ولإعادة تشكيل المؤسسة العسكرية بعد تفكيك المليشيات التابعة لإيران ، والتي حددتها واشنطن ب 67 مليشيا .

إلى جانب ذلك سيسمح  الوجود الأميركي المتعاظم في العراق إلى الحد  من  عمليات تهريب ونقل الأسلحة إلى «حزب الله» اللبناني والمليشيات الإيرانية هناك، والحد من  سيطرة الميليشيات  العراقية التابعة لإيران على الحدود العراقية-السورية،  في ظل تأجيل  رحيل القوات الأمريكية من قاعدة «التنف» على الحدود العراقية-السورية، وهو ما يزيد من القدرات العسكرية الأميركية لمواجهة إيران .

وهذا بالتالي سيعزز من  إمكانية  منع قيام إيران وميليشياتها المسلحة في العراق وسوريا ولبنان، بتنفيذ  خطة بناء ” الممر ” أو «الكوريدور» الإيراني فعليًا، وهو الممر الأرضي الذي يربط طهران بالبحر بالمتوسط عبر العراق وسوريا، والذي أطلق عليه حبيب الله سياري قائد البحرية الإيرانية برحلة العبور إلى المتوسط  خاصة مع انسحاب القوات الأمريكية من الشمال والجنوب السوري، وتحقيق إيران مكاسب سياسية وعسكرية في العراق، وهذا سيسهم بالتأكيد من إضعاف إنشاءه  . هناك تسريبات  اعلامية بدأت بالأمس عن خطة روسية إسرائيلية لاجبار الحرس الثوري الإيراني على مغادرة سوريا ، و يرتبط ذلك  باحتمالية زيادة التعاون  لتنامي النفوذ الروسي وربما التركي  بدلًا من تحجيمه ، ومواجهة  الأذرع الإيرانية  من جانب تل أبيب وواشنطن في العراق وسوريا ولبنان،  الأمر الذي سيزيد من فرص  تحطيم المشروع الإيراني في المنطقة ويضعف من  مستوى  قوتها ومكانتها الإقليمية بالإضافة إلى ما تمثله  بعض السياسات والعقوبات الأمريكية من التأثير المباشر  على سياسات النظام الإيراني ، تلك العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على إيران بغية محاصرتها ولجمها إقليميًا، فضلًا عن حالة التشاحن بين الجناح المحافظ والإصلاحي الذي بات يهدد الدولة الإيرانية ، من خلال  صعود دور المحافظين من المتشددين في الداخل الإيراني وعودة الخطاب السياسي التعبوي القائم على المواجهة وتبني دبلوماسية حافة الهاوية  من جديد في إيران.

النتيجة، أن ما جرى في سوريا سيصب في صالح العراق  لجهة  تضييق الخناق على إيران  وإحكام الحصار عليها ، وهنا فإن الولايات المتحدة ستصب اهتمامها  على الملف العراقي ، فيما ستتحول الأراضي العراقية إلى نقطة  لمراقبة التحركات الإيرانية  وبحسب المعلومات والتسريبات الإعلامية ،فقد  أجرى الأميركيون تعديلات جوهرية على البنية التحتية لقاعدة عين الأسد العسكرية هناك نظراً للمهمات الجديدة المنوطة بها، وأرسلت المزيد من التعزيزات العسكرية واللوجستية غير المسبوقة  إليها  بشكل يحقق متطلباتهم الحالية، ويضمن لهم البقاء على الأمد البعيد لمواجهة إيران بشكل فعال . 

وسوم: العدد 808