عكاز مزراحي

حدثنا المغربي ميلود في قاعة في فندق صبراتة وسط طرابلس الغرب بعد أن علم أننا مدرسون  من غزة قدمنا للعمل في ليبيا : " ربي يكون لكم معينا ! ابتليتم بأخبث الناس ... " ، وتوقف عن حديثه حين دخل شاب ، وقال له : " الإخوان من فلسطين . من غزة " ،

فرحب الشاب بأربعتنا ناظرا بابتسامة في وجه كل واحد منا ، وقال : " أهلا وسهلا " ،

وصافحنا ، وسأل : " ماذا تشربون ؟ " ، فاعتذرنا فألح مع ميلود الذي قال : " الأخ الفيتوري ، من تونس . يشتغل معي في الفندق " ، وتابع ميلود حديثه : " كان لنا جيران يهود في الحي الذي أسكن فيه في الدار البيضاء . أحدهم نجار اسمه مزراحي . نجار ماهر . يصنع كراسي .

وفي يوم شاع خبر في الحي بأنه أسلم ، ففرحنا والله بإسلامه ، واحتضنه وقبله كل من يعرفه من المسلمين . قلنا الله هداه . .. "

فتدخل عمر أحد أربعتنا ، وقال : " إن الدين عند الله الإسلام " ،

فوافق  ميلود : " صحيح " ، وتابع حديثه : " ... قل صار يصلي معنا ، وسر الجميع لمواظبته على الصلاة في المسجد . لعله كان في الخمسين ، ومن صحته تقول في الأربعين . النجارة والحدادة تقويان الجسم ، وتحفظان الصحة . وفي صلاة فجر ، بعد ، ربما عشرة أيام من إسلامه ، لاحظناه يدخل المسجد على عكاز ، في انحناء بسيط لظهره ، وبعد الصلاة سأله أكثر من واحد للاطمئنان على صحته ، فقال إن ظهره يوجعه ، فدعا له كل من سأله بالسلامة العاجلة . وتكرر مجيئه على العكاز أربعة أيام أو خمسة ، وفي اليوم التالي لرابع أو خامس تلك الأيام ، همس  لي جاري محمد ونحن ننتظر إقامة صلاة الظهر : " سمعت سر عكاز مزراحي ؟ ! الشيطان ! " .

سألته منتبها :  "سر عكازه ؟! " .

قال : " الخبيث ! كذب في إسلامه " .

وتلفت لأرى مزراحي فلم أجده .

وتابع جاري : " اكتشفوا سر عكازه . الشيطان ! العكاز مجوف في طرفه السفلي ، وتغلق فتحة تجويفه حديدة فيها ثقب . الشيطان النجس ! كان يحط في تجوف العكاز منيا لتدنيس المسجد " .

صدمني وطير عقلي ما قاله محمد ، وهممت بسؤاله ، وقطع أذان الإقامة همي . وبعد الصلاة

استعجلته في الخروج ، وعلى رصيف الشارع المار من قدام المسجد سألته  مستثار الفضول : " كيف كشفوه ؟! الشيطان ! " .

أجاب : " انتبه أحد المصلين إلى قطرات صغيرة في مواضع دقات عكازه ، وفحصوها ، وتأكدوا أنها مني " .

سألته ناقما مستغربا : " وماذا فعلوا بالشيطان ؟! " .

فرد : " لا أعرف " .

وبعد يومين عرفنا ما فعلوا . ملحوه .

فسألنا ميلود جاهلين قصده : " ملحوه ! كيف ملحوه ؟! " ،

فضحك ، ووضح : " يعني قتلوه " .

سألته  : " لم يسلموه للشرطة ؟! " ،

فرد  بإشارة نفي من يده : " سيطول الحبل عندئذ ، وقد يسلم . الناس عاقبوه .

ربي يكون لكم معينا . ابتليتم بأخبث الناس . لنا عندكم حارة في القدس  " ،

فقال زميلنا  خميس  : " هدمها اليهود بعد احتلالهم القدس الشرقية في 1967 " .

فطمأنه ميلود : " سنبنيها إن شاء ربي من جديد . ولفلسطين وللقدس ولغزة حارات في قلوبنا نحن المغاربة " .

***

بعد ما روى لي أبو نبيل ، مدرس التاريخ المتقاعد ، حديث المغربي ميلود ، قال

: " تظاهر إسرائيل بحب السلام وسعيها للتطبيع مع العالم العربي مثل تظاهر مزراحي بالإسلام .

من يطبع علاقته معها من العرب يشبه من يدخل ذئبا إلى حظيره غنمه ، ويقول له إنها أمانة عندك " ، فوافقته ناهضا للانصراف من غرفة الاستقبال في بيته : " نتمنى أن يكتشف أهل الضلالة والخنوع من المطبعين العرب سوء نوايا إسرائيل مبكرا مثلما اكتشف زيف إسلام مزراحي مبكرا " .

وسوم: العدد 819