لبنان وقضايا اللاجئين والأسئلة الكاذبة

في الأسبوع الماضي، انفجرت المخيمات الفلسطينية في لبنان بشكل لا سابق له منذ نهاية الحرب الأهلية، واستعاد الفلسطينيون شيئاً من حقوقهم المهدورة، وهو الحق في أن يكونوا مرئيين ويكون لهم صوت. السبب المباشر للانفجار هو قيام وزير العمل، وهو عضو في تكتل «القوات اللبنانية»، بإعلان عزمه على تطبيق قانون العمل بخصوص العمالة الأجنبية في لبنان، والتشدد في طلب إجازة عمل من اللاجئين الفلسطينيين.

واللافت أن هذا الإعلان جاء بعد حملة التهييج العنصري التي قادها وزير الخارجية، صهر رئيس الجمهورية، والرئيس المُعيّن للتيار العوني، ضد اللاجئين السوريين في لبنان.

بدا المشهد غرائبياً، وزير الخارجية يفاخر بالجينات اللبنانية المتفوقة، مُطلقاً حملة اضطهاد متوحشة، وصلت إلى حدود احراق وتدمير خيام لاجئين سوريين، وسط إعلام شبه نازي حوّل اللاجئ إلى محتل. بينما ذكّرنا وزير العمل بأيام الحرب الأهلية، وحملة الاضطهاد الهمجية التي حولت مخيمات اللاجئين إلى غيتوات مقفلة، ومنعت عنها كل شيء، من حجر الباطون الذي يوسِّد رأس الميت في قبره، إلى جميع مواد البناء، إلى آخره…

فجأة، عاد لبنان إلى ساحة يحتلها الحمقى ومجانين الخطاب الطائفي، وكأن الحكومة التي يسيطر على سياستها «ممانعون» و«عروبيون» و«مشرقيون»، هكذا يدّعون على الأقل، تمارس سياسة قائمة على محورين:

المحور الأول سوري متحالف مع نظام القتل في دمشق، وهدفه استكمال ما بدأه نظام الاستبداد، عبر إذلال اللاجئين السوريين وتحطيم حياتهم، لأنهم تجرأوا ورفعوا صوتهم مطالبين بالحرية في بلادهم.

المحور الثاني فلسطيني، هدفه تطبيق المستور في صفقة القرن، عبر استكمال مسار إذلال الفلسطينيين عبر دفعهم إلى الهجرة، كي يتم إقفال ملف اللاجئين.

السرّ الذي جمع خطاب الاستبداد بممارسة الاستسلام صناعة عربية تعود إلى كل مراحل النكبة، حيث كانت سيوف الأنظمة لا تذبح سوى أبناء شعبها، وتقوم بمحاولات متواصلة لسحق الفلسطينيين تحت شعارات الدفاع عن فلسطين.

الأقنعة العربية سقطت دفعة واحدة، ملوك الكاز كشفوا عن عمق علاقاتهم بالعدو الإسرائيلي، ودفنوا لغتهم القديمة في رمل الصحراء، والنظام السوري لا همّ له سوى متابعة حملته لتطهير سوريا من شعبها غير مبالٍ بمصير الجولان، أو بالجيوش التي تتقاسم سوريا وتحتلها.

أما في لبنان، الذي يواجه أزمة حكم تعبّر عن نفسها في تحول آلة السلطة إلى مافيات تتحالف وتتصارع على نهب ما تبقى، فإن أزمة الطبقة الحاكمة يعبّر عنها السيد جبران باسيل عبر جولاته الدونكيشوتية، وخطابه العنصري، الذي أوحى بأن لبنان على شفير هاوية قد تقود إلى تجدد الحرب الأهلية.

تعالوا نضع الأمور في نصابها، كي نمنع حفلة الزعبرة السياسية من التمادي.

فلسطينيو لبنان، المجرّحين بالمذابح والذين صاروا كبش محرقة الحرب الأهلية، لا يطلبون سوى الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، أي حق الإقامة من دون «تربيح جميلة»، وحق العمل.

ولماذا لا يقوم حزب الله، الذي يسيطر عسكرياً على القلمون ويتخذ من القصير قاعدة لعملياته العسكرية، بالانسحاب من المناطق الآهلة التي احتلها، ودعوة سكانها اللاجئين للعودة إليها؟

من قال إنه يحق لدولة تدّعي أنها ديمقراطية أن تفرض على لاجئين مقيمين على أرضها بشكل شرعي منذ 71 سنة، إجازة عمل، وتقرر منعهم من مزاولة جميع المهن الحرة؟ هذا يُسمى في لغة القانون تمييزاً عنصرياً. ألم تشبعوا من أحقادكم الطائفية وكذبتكم العنصرية؟ تحويل اللاجئين إلى مكسر عصا كان يهدف في البداية إلى استجلاب عمالة رخيصة في الزراعة والصناعة، أما اليوم فقد صار مجرد عنصرية مقيتة لها رائحة طائفية ومذهبية عفنة.

أما حكاية اللاجئين السوريين، الذين يطلقون عليهم اسم النازحين كي يمنعوهم من التمتع بحقوق اللاجئ، فقصة طويلة محشوة بالأكاذيب والترهات.

إذا كان هناك من مشكلة فهي مع النظام الذي هجّرهم، لماذا لا يطلب الباسيل وزميله وزير النازحين صالح الغريب من صديقهما بشار الأسد إعادة اللاجئين إلى بلادهم؟ لماذا لا يتوقفان عن هذه الحفلة التنكرية ويقولان ما يعرفه الجميع، وهو أن عودة السوريات والسوريين ممنوعة من النظام، لأن النظام يصادر الأراضي وينتهك المكان، ولن يرضى بوقف سياسته القمعية ضد الشعب السوري.

إذا كان هناك من سبب يمنع عودة اللاجئين فهو بشار الأسد، لكن هذه الطغمة الفاسدة التي قامت باستغلال قضية اللاجئين من أجل نهب المساعدات الدولية، لا تجرؤ على قول الحقيقة، لأن الحقيقة تفضحها.

ولماذا لا يقوم حزب الله، الذي يسيطر عسكرياً على القلمون ويتخذ من القصير قاعدة لعملياته العسكرية، بالانسحاب من المناطق الآهلة التي احتلها، ودعوة سكانها اللاجئين للعودة إليها؟

أما الكذبة الكبرى فتتعلق بالاقتصاد اللبناني، فلينشروا حقائق عن الزراعة اللبنانية التي يتشكل تسعون بالمئة من عمالتها من السوريين، وعن قطاع البناء، ولتنشر المصارف أرقام الودائع السورية الهائلة…

نحن أمام حفلة كذب فاشية يمتطيها بعض السياسيين الصغار من أجل الوصول إلى المواقع والمناصب ونهب ما تبقى.

فلتتوقف حملة الأكاذيب، ما يجري ليس خوفاً على لبنان كما يدّعون، بل هو جزء من حماقة طبقة من الرأسماليين التي امتصت دماء اللبنانيين واللاجئين، من أجل تأبيد سيطرتها وتصفية حسابات صراعات أطراف المافيا.

ما جرى من انتفاضة صغرى في المخيمات لم يكن بسبب قرارات وزير العمل فقط، بل كان نتيجة تراكم القهر والإذلال منذ أكثر من ثلاثين سنة، وحذار من غضب الفقراء والمضطهدين.

وما لا يعرفه «قبضايات» الحملة العنصرية على السوريين هو أنهم يؤسسون لأحقاد وكراهية سوف يكون ثمنها أكبر مما يتخيّلون.

أيها اللاجئون، أيها السوريون والفلسطينيون، أيتها العاملات المنزليات، أيها الفقراء اللبنانيون، أيتها النساء المقموعات بقوانين الأحوال الشخصية، أيها المهمشون، معركتكم واحدة ومصيركم واحد. أنتم شرف أمة فقدت شرفها، وكرامة شعوب يريدون سحقها.

والمعركة التي بدأت في المخيمات الفلسطينية هي مجرد جرس إنذار.

وسوم: العدد 834