حول دلالة النصوص والمقاصد والاجتهاد…

س: ما هي المعايير العلمية التي يمكن من خلالها محاسبة الأفهام البشرية للنص؟

يجيب فضيلة الشيخ الدكتور احمد الريسوني 

هذا السؤال تقريباً تكفّلت بالجواب عنه علوم متعددة في مقدمتها علم أصول الفقه، وعلم مناهج التفسير أو قواعد التفسير، وأهم ما يمكن الإحالة عليه؛ لأننا لا يمكن أن نفصل الآن في هذه القضايا، بل إن هناك علوماً تتناولها أهم ما يمكن الإحالة عليه هو كما ذكرت قبل قليل اللغة؛ لأن التشكيك في جميع التفسيرات وجميع الأفهام إنما هو تشكيك في اللغة نفسها، فنحن نتفاهم باللغة، ونفهم تراث العصر العباسي وعصر السلف بل نفهم نصوصاً من العصر الجاهلي، ونفهم نصوصاً أدبية وتاريخية وفلسفية ولا نختلف فيها أو لا نختلف في فهمها إلاّ قليلاً، فإذاً قواعد اللغة كلها تعتبر حاكمة في هذا المجال، اللغة ليست عبثاً، والنصوص التي نزلت بها منزهة عن العبث، فإذن وفق ما يقتضيه اللسان العربي وقواعده اللغوية والنحوية والبلاغية والقواعد الأصولية في هذا المجال كثيرة؛ دلالة الأمر دلالة النهي، دلالة العام ودلالة الخاص، مفهوم المخالفة، حروف المعاني هذه كلها أمور موجودة، بالإضافة إلى أن فهم النص في أي لغة في معظمه لا يحتاج إلى القواعد، وإنما يحتاج إلى القواعد فيما قد يحتمل ويحتمل، وإلاّ فالآن حينما تعطي أي نص لأي عربي يقرؤه، من العسير أن تقول له كيف فهمت منه، كيف فهمت منه أنه يلزمك أن تفعل كذا، هذا مفهوم عند الناس بالبداهة وبالسليقة المتوارثة، وهناك أمر آخر وهو المحكمات الشرعية نفسها؛ لأنه إذا كانت نسبية التفسير ونسبية الفهم والاستنباط ترد في بعض الأمور فإن هناك أموراً تتجاوز ذلك، وتوصف بالقطع واليقين هي أمور بديهيات في الدين، فإذن الاحتكام إليها يقطع كل تلاعب باللغة، 

بالإضافة إلى هذه المحكمات هناك بديهيات العقول التي تستحضر السياق، وتستحضر المعاني المشتركة بين البشر، وتستحضر منطقية التفسير، كما أن هناك في أصول الفقه قواعد كثيرة تسمى قواعد العقلية.

فإذن بصفة عامة تفسير النصوص ليس بدعاً في العمل العلمي كله والعمل العقلي، فكل ما كان قاعدة وحجة عند العقلاء وعند أهل العلم والبحث والنظر فهو يعتمد لكنه لا يزيل الخلاف بصفة نهائية، ولكن يجعل الخلاف قليلاً أو يجعله هامشياً.

وسوم: العدد 835