ثقافة التوريث 2

إكمالا لما سبق عن ثقافة التوريث في الكانتونات العربية والتي تؤدي إلى صناعة طاغوت جديد يكون خلفا للطاغوت الكبير

وكما هو معلوم لديكم أن هذه الثقافة الطاغوتية هي صورة مصغرة عن الثقافة الفرعونية؛ (ما أريكم إلا ما أرى)

وبالتالي تؤدي إلى غسيل دماغ لدى المسحوقين الذين يحاولون نيل رضا الرئيس بحركات لا تمت لقناعاتهم بصلة، ولكنهم يأملون القرب من زعيم المزرعة، فلا يتعرضون لقرارات مزاجية صادرة من رب العيلة لأن رضاه وغضبه ليس لهما قانون فهو الآمر الناهي. يملك المزرعة وما فيها؟

وفي هذا الجو يصعد الوريث ويأخذ كل مسؤوليات الوارث فيصبح هو المستشار والمرجع لكل الأمور وحوله لجان كرتونية ومجلس الشعب وأموال الشعب لا يدري أحد ماذا يتصرف فيها فهو الآمر الناهي وهو الخبير وهو الإداري السياسي والاقتصادي...يفعل ما يشاء بلا رقيب ولا عتيد.

هذه هي حياة شعوبنا في ظلّ ثقافة التوريث، ولو وقف الأمر على الطواغيت الكبار لها الأمر قليلا، ولكن أن تصبح ثقافة المجتمع كله على هذا المنوال فهذه كارثة بكل المقاييس؟

أن يتعامل المدير مع العمال في المصنع بهذا الأسلوب، ويتعامل الاقطاعي مع الفلاحين في المزرعة بهذا الأسلوب قد لا يستغرب، ولكن أن تمارس مؤسساتنا التعليمية العليا هذه الطريقة فهنا يكون الانتحار الثقافي!!

بدلا من أن تكون منبعا للثقافة الحرة والقيم الديموقراطية والنقد البناء... تصبح صورة عن الواقع المريض!

فكيف ستحرر الأمة من العبودية ومؤسساتنا بهذا المستوى من الثقافة؟

في الكانتونات كل ما يتصل بالرئيس مقدس، بل يجب التبرك به! وإذا انتقدته بكلمة واحدة فستقوم قيامتك، وتفصل من العمل بلا محاكمة، هذا إذا لم يتهمك بشتى أنواع التهم فيجعلك عميلا مخرّبا ليبرّر إجرامه!!

فالرئيس وابنه فوق النقد؛ وهم معصومون عن الخطأ، ومع كل هذا العبث نجد الناس ساكتين! وكأن الأمر لا يهمهم ما دامو يعيشون في ظله أو قل تحت نعله.

ما دام هذا هو الواقع فلن يحصل أي تغيير ثقافي! وسيبقي الجيل في عبودية مقيتة. بل سوف يستنكر على كل من يحثه كي يدافع عن حريته وكرامته.

لقد اعترض بنو اسرائيل على موسى عليه السلام عندما أراد تحريرهم من عبودية فرعون (ثقافة الطغيان).

فثقافة التوريث في مؤسسات الأمة ستؤدي إلى مزيد من التخلف والنفاق والرياء...

فلماذا السكوت؟

هل لأجل الرزق؟ فالرازق هو الله!

هل لأجل المنصب؟ فلا بارك الله في منصب تهدر لأجله كرامة الإنسان!

متى سنتحرر من ثقافة الخوف؟ كي نمارس حقنا في النقد! ولا نكون كبني إسرائيل الذين لعنوا بسبب تعطيلهم (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)،

قال تعالى:(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ). (78) المائدة

فعلينا أن نغيّر ثقافتنا لنغير واقعنا، وكفانا ظاهرة صوتية وخطبا رنانة ومظاهر فارغة لا تغني من الحق شيئا!

فلنبدأ بالتغيير في مؤسساتنا الصغيرة والكبيرة، نبدأ من القاعدة إلى القمة كما كان عليه الرسول صلى ألله علبه وسلم.

وعلى علماء الأمة أن يكونوا قدوة عملية في هذا الميدان، فهم على المحكّ أمام الجماهير وأرى أن الخطوة الأولى نحو التحرّر من ثقافة التوريث هو الحوار الشفاف بين الكبير والصغير بدلا من النفاق والتزلف...

لوكان جهاد الكلمة غير معطل في الأمة لما وصلنا إلى ثقافة التوريث المنحطة التي عطلت مسيرة الأمة وجعلتها أمة مهدورة الكرامة يقودها علوج في كل المجالات من القاعدة إلى القمة!

أين القيم والأخلاق؟  

قال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ"

لو أنّ كل إنسان مارس حقه في النقد؛ لاختفت ثقافة التوريث وتلاشت من كل مؤسساتنا!! ولكن عندما يعمّ السكوت، ويخيم الصمت، فبعض الأفراد يدفعون ثمن نقدهم سجنًا أو تشريدًا أو فصلًا من الوظيفة أو تخوينًا...

والساكت عن الحق كما قال بعض العلماء: (شيطان أخرس)

وسوم: العدد 842