فرج” في التلفزيون المصري: “ويا حلو بانت لبتك”!

قالت العرب لمن هو في حكم القائمين على تطوير التلفزيون المصري: “ارمي بياضك”، فلما “رمى بياضه”، صار من حقنا أن نفعل ما فعله الإمام أبي حنيفة النعمان، عندما مد قدمه، وفي رواية أخرى: قدميه!

ومع اختلاف الروايات، فقد كان الإمام في مجلس علم، عندما دخل عليه أعرابي بدا من طلعته المهيبة كما لو كان “المهيب الركن”، وكان ألما في ساق الإمام دفعه لأن يجلس على راحته ويمد قدمه، فهو الإمام والملتفون حوله من تلاميذه، لكن دخل عليهم وظنوا أنه من العلماء وإن لم يعرفه أبو حنيفة، وكان الحديث عن حرمة صيام يوم عرفة للحجيج، فتمدد “الوافد” بعد أن “تمطع” وسأل عن الحكم، إذا جاء يوم عرفة في شهر رمضان؟!

لم نكن نجهل قدرات شركة إعلام المصريين، التي تتولى عملية التطوير، بالإسناد المباشر، ككل المشروعات التي تقوم عليها الهيئة الهندسية في القوات المسلحة، فالإسناد المباشر هو عنوان المرحلة، وقد قرأت لأحد المتحمسين للمرحلة، وهو يتساءل في غضب عن الجهة، التي أسندت الأمر لهذه الشركة وملحقاتها، وقد سأل كافة المؤسسات المعنية فكان جواب كل مؤسسة: لسنا نحن.

ولا أرى مبرراً لغضبه، فعندما يحكم العسكر، فلا معنى لسؤال الشفافية، والدول حينئذ تديرها القوى الخفية، ومن المدهش أن يظل هو مخطوفا ذهنياً حتى الآن، لدرجة أن يسأل وتدهشه الإجابة!

هذه الشركة الأمنية “إعلام المصريين” ومشتملاتها، هي ممثل المالك (الذي هو رأس السلطة في مصر) في عملية الاستحواذ على الإعلام، فلم تنجح في إدارة أي محطة تلفزيونية، ويبدو أنها ذهبت للتلفزيون الرسمي لتؤكد فشلها، ففي ظل حكم أنظمة الاستبداد يثاب الفاشلون ويعاقب المتفوقون، ولا تنسى أن الدكتور وليد مرسي السنوسي، العالم المصري الحاصل على جائزة الدولة التقديرية، وصاحب دواء علاج فيروس كورونا قبل تحوره، في المعتقل الآن، بتهمة الانتماء لجماعة محظورة تعمل على قلب نظام الحكم بالقوة أول حرف من اسمها “الإخوان المسلمون”، بينما “هالة زايد” هي وزيرة الصحة!

من خارج المبنى

لقد كانت باكورة أعمال الشركة القائمة على تطوير التلفزيون برنامج “التاسعة مساء”، ومذيع من خارج مبنى “ماسبيرو”، وقد فعلها القوم من قبل في عهد نظام مبارك، فاستعانوا بمذيعين من الخارج وآخرين من الداخل، فكان برنامج “البيت بيتك”، وأستطيع الآن القول إن الفرق بينهما هو “فرق السما من العمى”، وإن كنت انتقدت هذا البرنامج كثيرا وفي مواقف مختلفة هنا في هذه “الزاوية”، إلا أني أستطيع القول إن جماعة جمال مبارك كانوا يعرفون ما يفعلون، والقوم الآن غارقون في “مياه البطيخ”، فلا رسالة ولا هدف!

لقد ظلوا فترة طويلة يبشرون بالبرنامج الجديد، فكانوا كمحمد صبحي في دور “سنبل”، عندما دخل في معركة قاتل أو مقتول، مستنداً على أن مساعده فرج قد جلب معه مجموعة من الناس قادرة على دحر العدوان، وعندما هتف: “ادخل بالرجالة يا فرج”، دخل “فرج” بمفرده، ليكتشف “سنبل” أنه في “ورطة”، فكان لا بد من الانسحاب المهين.

لقد دخل “فرج” التلفزيون المصري ببرنامج “التاسعة مساء”، وكانت البداية غير مبشرة، فقد استضافوا الممثل محمد رمضان، ظنا منهم أنهم يستطيعون الاستفادة من نجوميته، ولا يدركون أن “نجوميته مخلقة وغير مخلقة”، وغير المخلق فيها بسيط وهو دور الشاب البلطجي، الذي يقوم بالأدوار الصغيرة، لكن عندما يتم فرضه كنجم شباك فإن هذا هو “المخلق” ولا يُصنع النجم من الهواء، ولا يتحقق بالإلحاح!

قبل أيام شاهدت البرنامج لعلي أجد على النار هدى، فكانت فقرة الختام، هي الخاصة بالباحث في التراث “يوسف زيدان”، عبقري المرحلة وملهمها، وكان الموضوع عن فيروس كورونا، وتحدث هو عن الفيروس كما لو كان طبيباً، فهو “دكتور” والطبيب “دكتور”، ليذكرنا بواقعة طلب مريضة من الدكتور يوسف ادريس توقيع الكشف الطبي عليها، مع الفارق إن “ادريس” تخرج في كلية الطب، لكنه قطع صلته تماما بممارسة المهنة، وعمل في الصحافة والأدب، و”يوسف زيدان” لم يتخرج من كلية الآداب!

ثم بدأ يطلب عرض بعض المخطوطات والكتب على الشاشة، ويعلق بكلمات تفتقد للتماسك، ليدفعنا للسؤال: ماذا يقول الرجل؟ فنفهم بالكاد أنه يتحدث عن مراحل الأوبئة في التاريخ المصري القديم، وليس القديم تماماً لكنه مرتبط بمرحلة دخول الإسلام وكيف أن عبيدة ابن الجراح مات من جراء الوباء؟!

وكأننا أمام وباء محلي ليستدعي فيه تجربة محلية، وكأن الغرب لم يشهد هذه الأوبئة، وكأنها لم ترتبط إلا بالإسلام، وكأن وباء كورونا الحالي من فعل الحكومة المصرية، فيريد أن يعاير جماعات الإسلام السياسي بحصول هذا الوباء مع الفتح الإسلامي لمصر؟!

ما هي الدروس المستفادة مما قاله، أو مما يريد أن يقوله وتبدد بفعل عدم التركيز؟ ولماذا هذه الاستضافة غير الموفقة؟! ولماذا يحرص الإعلام العسكري على تبني هذه النماذج!

مرحلة الكُفتة

لقد كان يوسف زيدان هو ضيف الحلقات الأخيرة من برنامج عمرو أديب في إحدى القنوات التلفزيونية المصرية وقبل انتقاله إلى التلفزيون السعودي “أم بي سي مصر”، وقد أثار الجدل كثيراً بآرائه التي تفتقد للتأسيس العلمي، وإن كانت الرسالة واضحة تماماً عندما أفتى بأن المسجد الموجود في القدس ليس هو المسجد الأقصى. حينئذ اتضحت الرؤية “ويا حلو بانت لبتك”!

وقد تكون استضافته هناك، بهدف الإثارة، ومحاولة إنجاح البرنامج، وهو أمر متعارف عليه، لكن عندما تتم استضافته الآن في البرنامج التلفزيون المصري بعد استحواذ شركة إعلام المصريين على عملية التطوير، فالمعنى أنها هنا وهناك مخطط جهة الإدارة المشتركة، المالكة للقناة الأولى، والتي تتصرف الآن في التلفزيون المصري تصرف المالك في ما يملك، وأنه توجه سلطة، ترى لا بد من أن تسود هذا النموذج!

ليذكرنا هذا بما قاله أحد المسؤولين عن التحرير بجريدة ممولة أمريكيا، هو اشتراط الجهة الممولة استكتاب الراحل جمال البنا، ليقدم رؤية دينية موازية مع الخطاب الديني، الذي يقدمه الأزهر والجماعات الدينية، فانتقل الرجل وهو الباحث الجاد في القضايا العمالية، وصاحب الكتاب العمدة في هذا المجال، ليقول كلاما الهدف منه الإثارة، بل ويختلف مع جديته في كتابه عن حرية الرأي في الإسلام، وقام بضبط ايقاعه وفق برنامج ما يطلبه المستمعون من الأغاني العربية لجذب الانتباه فيلجأ لكتب التراث ويستدعي قضايا فقهية شاذة، تعرض لها فقهاء الزمان، الذي صدرت فيه وأبطلوها لكنه يقطعها من هذا السياق، مثل إباحة التدخين للصائم في نهار رمضان!

فهل تماهت رسالة الممول الأمريكي مع المبعوث المصري في نفس الرسالة؟!

إن الاستضافة الجديدة هي بعد أن قال الرجل كلاما أضحك الثكالى، نتج عنه توقف عمرو أديب عن استضافته بعدها، عندما فسر شطر بيت من قصيدة كعب بن زهير، وفق ثقافة المرحلة، حيث “مرحلة الكفتة”، فانفجر الـ”سيوشيال ميديا” بالضحك!

ففي قول كعب: “بانت سعاد فقلبي اليوم متبول”، قال إن “متبول” من “التوابل”، أي أن قلبه “محطوط في التوابل”. وهو ما قاله نصاً.

ويعرف المصريون ما يقول فمجموعة “التوابل والبهارات” المستخدمة يتم وضع “الكُفتة” و”الكباب” و”البوفتيك” وما شابه فيها، وتسمى “التتبيلة”، والفرق بين مطعم وآخر، وبين طاهية وأخرى هو في نوعية “التتبيلة” وأنواع التوابل، وتسمى “خلطة” ودائما يقال: “ابحث عن سر الخلطة”!

ولم يكن كعب ابن زهير يقصد بقلبه اليوم متبول، أنه “محطوط في التوابل” باعتباره “كُفته”، فالمعنى أن الحب أضعف قلبه وأسقمه. يقول الحلاج: حبي لمولاي أضناني وأسقمني!

اللافت أن ضيف التلفزيون المصري في مرحلة التطوير، لم يتحفهم بأي عبارة تحمل على محمل الاثارة في هذه الليلة، ليتم الترويج لها عبر الـ”سيوشيال ميديا” والدعاية للبرنامج وللمرحلة!

لقد خذلتهم “التتبيلة”!

وسوم: العدد 870