روسية : مؤشرات على تغيرات في الموقف من نظام الأسد .. ومعارضة سورية تنتظر

ويتابع المشهدُ السياسي العام العديدَ من الإشارات القادمة من موسكو والمعبرة عن استياء غير محدود من بشار الأسد وزمرته . مقالات ، وتقارير ، واستطلاعات رأي كلها تشير في حقيقة الأمر إلى تشكيك روسي في قدرة بشار الأسد على الاستمرار في حكم سورية .

بعض المتابعين يقلل من أهمية ما يقال وما يكتب ، معتمدا على أنه بكليته إنما يصدر عن جهات ليست مقربة من صنع القرار بما يكفي ..

وبعضهم يقول إن هذه التعبيرات هي تعبيرات اقتصادية أكثر منها سياسية ، تقف وراءها شركات اقتصادية تطمع أكثر في كعكة الشام ..

ويقول فريق ثالث : إن طبيعة النظام الروسي الشمولي تفرض على كل متابع أن يصغي لصوت كل إبرة تقع على الأرض عنده . ويؤكد هؤلاء أن دلالة ما صدر ويصدر تكفي للتأمل ، واستشراف المستقبل ، والعمل بقواعد الواقعية السياسية ، ولاسيما بالنسبة لقيادات المعارضة السورية ، التي تتأخر دائما عن التقاط الفرص ، وإطلاق المبادرات.

وخلاصة الانتقادات الروسية الموجهة لبشار الأسد حسب المنطق الروسي نفسه يمكن تلخيصها في محورين :

الأول: نلخصه بمضمون حكاية شعبية فظة بعض الشيء ، ولكنها ذات دلالة معبرة في سياقها ؛ يحكي العامة أن رجلا مصابا بسبعين داء وعلة وعاهة ، جلس يدعو الله أن يشفيه ، فمر به أحمق مثل حمقى بوتين فقال له : أسهل من أن يشفيك يخلق إنسانا جديدا غيرك . ولله المثل الأعلى ..

فكل المنتقدين الروس لبشار الأسد يتحدثون عن متوالية العلل والأسقام والعاهات السياسية الملازمة للنظام وزمرته ، والتي تجعل التفكير بكل بديل جديد له أسهل على الروس ، وأكثر تحقيقا لمصالحهم ، من محاولات التصويج والترقيع ؛ ولا ينسى هؤلاء أن يذكّروا بالعاهات الإقليمية والدولية التي يمكن للروس أن يتجاوزوها إذا تجاوزوا بشار الأسد ..يخسرون الأسد ويربحون ويربحون ويربحون ...

والمحور الثاني الذي يدندن حوله المنتقدون الروس : هو أن بشار الأسد حين يتلو بيانات النصر الكاذب ، والذي يتمسك الروس بأنهم صانعوه ، يصدق نفسه ..

يصدق نفسه على صعيد اللحظة التي يتبختر فيها وإعلامه مثل طاووس عند بعض الطوائف السورية ..

ويصدق نفسه على الصعيد الاستراتيجي ، فيظل مدمنا على السياسات التي فجرت الثورة من قبل ، سياسات الاستبداد والفساد و الاعتقال والتعذيب ، والاغتيال وتدمير كل شيء . ويدندن كل هؤلاء إنه في جميع مناطق خفض التصعيد ، وما عقد الروس فيها من مصالحات ، كان كل هم الخطة الروسية أن يُظهر بشار الأسد وجها آخر في التعامل مع الناس . ولكن بشار الأسد ظن أن ما يقدمه الروس له من دعم إنما هو تفويض لارتكاب المزيد من الشناعات ، ويقول آخر وفي حربنا على الإرهاب في سورية لم نكن نستطيع أن نقرر أي الفريقين أشد عنفا : وحدات بشار الأسد أو المجموعات الإرهابية ؟؟ والقول على ذمة قائله . موقف مفاده : إذا كانت السنوات الماضية هي فرصة لبشار الأسد لإثبات قدرته على التغير ، فيجب أن نعترف أن بشار الأسد قد رسب في هذا الامتحان ، وفي كل مرحلة من المراحل كان يبدي قدرات أكبر على إظهار الأسوأ ..

وحين ينشر هذا الكلام في موسكو يُتاح لكل الأطراف الدولية والإقليمية والسورية أن تتابعه على السواء ..

من الصعب أن يكون الإنسان حالما أكثر ، فيعتبر أن هذا الكلام يعبر عن قرار روسي قادم قيد التحضير ..

 ربما يكون هذا الكلام مناورة ..

أو محاولة ابتزاز أكبر لبشار الأسد ووراء الأكمة ما وراءها ، مما لانعرفه نحن ..

وقد يكون هذا الكلام حملا مبكر وبينه وبين المخاض وقت طويل ..

وقد يكون حملا كاذبا ..

 وقد نفاجئ بإجهاض الجنين قبل الأربعين والأربعين والأربعين ...

 وفي عالم السياسة تبقى الاحتمالات مفتوحة . وإنما البدرة لمن بدر . والسبق لمن شمر كما يقولون .ومن لم يملك المعلومة سيظل يسبح في دائرة الاحتمال والتقدير .

والذي يعزز بعض ملامح الجدية في قسمات هذا الكلام هو اهتمام بشار الأسد بما يدور في موسكو من قيل وقال ، وقد تبدى ذلك في اللقاء الفيزيائي الذي جرى يوم الاثنين الماضي بين الأسد وظريف ، والذي كان ولاشك يضع تكتيك اللقاء الثلاثي لليوم الأربعاء 22/ 4 / . ولاشك كان محور اللقاء هو ما يرجوه بشار الأسد من طهران . طهران .. تلك هي الحقيقة التي يبيت من أجلها بشار الأسد على مثل جمر الغضا ..

وربما حقيقة أخرى يستبعدها بشار الأسد وهي أقرب إليه من حبل الوريد ؛ هل يمكن لملالي طهران أن يفكروا للحظة على طريقة الروس ؟! هل يمكن أن يتوقفوا عن المراهنة على البيضة وهم يعلمون أنهم باستمرار مراهنتهم على البضة سيخسرون الدجاجة ..

هل اكتشف ملالي طهران أنهم لعبوا خلال ربع قرن خلا ولاسيما في أفغانستان والعراق والشام دور العصا الصهيو - أمريكية ، القذرة ، وأن مكافأتهم مع الشيطان الأكبر لن تكون أكبر من مكافأة رضا شاه بهلوي ، الذي حلوا محله ، ولعبوا بطريقة أكثر فظاظة دوره ..

الحقيقة الأكثر كارثية بالنسبة للإيرانيين أن الشعوب قد تدير ظهرها للمستعمر الروسي البعيد ..ولكنها لن تغفر أبدا للمتوحش الإيراني الجار الجغرافي القريب . يعلم الإيرانيون اليوم أن الماء الذي حاولوا به أن يغسلوا عار الجريمة عن أيديهم قد تدنس ولم يطهرهم .

ويردد الناس دائما لا دخان من غير نار فأي نار وراء هذا الذي يعس في موسكو منذ نحو عام ، وأي انعكاس له على مستوى العراق والشام والإقليم .. سؤال برسم كل من زعم أنه صاحب قرار ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 874