لن يوقف خطة الضم الإسرائيلية سوى الفلسطينيين

كل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل ماضية في خطة ضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية ، وأن هذا قد يتم في يوليو القادم كاملا أو متدرجا . ويقوي عزم إسرائيل في الإقدام على هذه الخطوة التوسعية ما تحظى به من تأييد مطلق  حازم من إدارة ترامب ، ولن يختلف حال الأغوار والمستوطنات عن حال القدس والجولان اللتين اعترفت إدارة ترامب بسيادة إسرائيل عليهما . وكل الأوضاع فلسطينيا وعربيا وعالميا تفتح الباب واسعا لخطة الضم .

فلسطينيا : لدينا سلطة تحارب المقاومة في صف إسرائيل ، ولا تحارب إسرائيل إلا بلسانها ، وتهديداتها التي تعلم إسرائيل أنها فارغة عاجزة ، وأن مصير رموز السلطة ومصلحتهم توثقت  توثقا مصيريا برضاها عنهم الذي شرطه أن يكونوا ذراعا أمنية إسرائيلية ، وألا يتقدموا خطوة واحدة حقيقية في توحيد قوى الشعب الفلسطيني لمواجهة تغول إسرائيل على الأرض  والحقوق الوطنية الفلسطينية .

وعربيا : في أعلى درجات المعارضة لمشروع الضم لن نسمع  سوى الشجب المألوف ، وبعبارات أبهت وأضعف من عبارات الشجب القديمة ، وهو شجب يخالف ما يحدث سرا ، وما هو بسر ، من موافقة ومباركة للخطوة الإسرائيلية ، فأكثر الدول العربية تؤمن أن مصالحها مع أميركا وإسرائيل ، ومصالحها هي مصالح حكامها لا شعوبها التي لا قدرة لها على فعل شيء في معارضة سياسة هؤلاء الحكام . محمد بن سلمان حين سأله أقطاب اليهود في أميركا خلال زيارة له عن موقف بلاده من القضية الفلسطينية أجابهم بأنه لو كان لبلاده مائة قضية لكانت القضية الفلسطينية آخرها استحقاقا للاهتمام . وهذا هو الموقف الحقيقي لأكثر الدول العربية الوثيقة العلاقات بأميركا وإسرائيل ، وهي لا تقف عنده وتكتفي . تفعل ما هو أسوأ منه في حق القضية الفلسطينية وسواها من القضايا العربية .

وعالميا : ونهتم هنا بالاتحاد الأوروبي بوصفه الأقدر على فعل شيء لمعارضة الضم لو أراد إلا أنه عودنا على الحرص على إسرائيل في النهاية ووقت الحسم ، وهو لا يلقى أي ضغط من الجانب الفلسطيني والعربي اللذين وصفنا حالهما ، فلم يعارض خطة إسرائيل معارضة جدية مادامت مصالحه التجارية والاقتصادية والثقافية والمالية محفوظة  في العالم العربي ؟! أميركا ذاتها لو كانت تخاف ردا عربيا فعالا لما اعترفت بالسيادة الإسرائيلية على القدس والجولان . وإسرائيل يقال عنها ما يقال عن أميركا في هذه الحال . لو علمت  إسرائيل أن السلطة الفلسطينية صادقة وقادرة على معارضة الضم ما فكرت فيه وخططت له ، على الأقل في هذه المرحلة بحسبان السيطرة على كل الأرض الفلسطينية وتفريغها من شعبها هدفا إسرائيليا استراتيجيا ومصيريا . بقاء أو زوال . واستقر تاريخيا أنها تتراجع متى لاقت من يعترض خطواتها العدوانية والتوسعية اعتراضا فعالا رادعا . حدث هذا  بمقاومة حزب الله لاحتلالها في الجنوب اللبناني ، وحدث في غزة حين انسحبت منها في 12 سبتمبر 2005 بفاعلية كبيرة من المقاومة المسلحة ودماء الشهداء والجرحى التي أعلت تكلفة ومخاطر مشروعها الاستيطاني المكون من 21 مستوطنة . إسرائيل مشروع استيطاني يتقدم مسرعا إذا انفتح طريقه ، ويتراجع إذا واجه مقاومة صلبة مصممة . ويحق أن نتأمل مدلول ما حدث بعد اتفاق أوسلو والإعلان أن مصير الضفة وغزة سيتقرر بعد 5 سنوات من الاتفاق في محادثات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل . قدم مستوطنون جدد للإقامة في مستوطنات غزة والضفة ، وقالوا  إنهم في أحسن حال وأوفر أمان بفضله . ولم يقلب حالهم إلى رعب وموت سوى المقاومة المسلحة التي أكرهت إسرائيل على سحبهم من غزة .

والآن ما الحل ؟! كيف نواجه الضم وخطره المصيري الهائل ؟! الحل لن يكون إلا فلسطينيا ، وأول خطوة فيه أن تلغي منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو على قاعدة المعاملة بالمثل ، ولنرَ ماذا ستفعل إسرائيل ! لو تيقنت إسرائيل أن منظمة التحرير ستلغي الاتفاق وتتركها في مواجهة شعب الانتفاضتين ستتراجع مسرعة عن الضم كأنها ما فكرت فيه ولا خططت له ولا تكلمت عنه . وهي عادة لا تكابر ولا تدافع عن قضية تعلم أنها خاسرة . بعد عدواني 2008 ، و2014 ألحت في مباحثات وقف القتال والتهدئة على نزع سلاح المقاومة ، ولما اصطدمت برفض المقاومة الصارم لنزع سلاحها تخلت عن إلحاحها . والخطوة الثانية أن تجدَ في توحيد قوى الشعب الفلسطيني في فلسطين وفي الخارج . إذا قامت منظمة التحرير بهاتين الخطوتين فسينضم أنصار كثيرون للشعب الفلسطيني ، وستعجز إسرائيل ومناصروها عن الثبات أمام معارضي الضم . فهل تقدم منظمة التحرير على هاتين الخطوتين ثقة واقتناعا بأنه لن يوقف خطة ضم الأغوار ومستوطنات الضفة سوى الفلسطينيين ؟!

وسوم: العدد 876