لا توقظوا الفتنة في لبنان

قرار رفض نقل العالقين الفلسطينيين من حملة وثائق سفر اللاجئين، بموجب تعميم المديرية العامة للأمن اللبناني، الصادر بتاريخ الأول من مايو/ أيار2020 ويحمل رقم 5932، هذا القرار رغم أخطائه العربية الكثيرة، يجب ألا يؤخذ بمعزل عن قوانين وقرارات وإجراءات لبنانية رسمية وأمنية سابقة وحديثة.

و»ينص القرار على عدم السماح بالعودة إلى لبنان على متن طائرات الإجلاء (طيران الشرق الأوسط) للأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئة في لبنان (اي إن كان وثيقة سفر فلسطينية أو جواز سلطة) والخدم، وعليه يرجى أخذ العلم أنه قد تم حذف أسمائكم للسفر على متن رحلات الإجلاء إلى لبنان، سفارة لبنان لدى دولة الإمارات العربية المتحدة».

ونحن هنا نتحدث عن قرارات سابقة، من قبيل قانون وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان، بشأن تنظيم العمالة الأجنبية، خاصة الفلسطينية والسورية. وأبو سليمان ينتمي سياسيا للقوات اللبنانية، التي تتعامل بحساسية مع الوجود الفلسطيني في لبنان، وتريد الخلاص منه اليوم قبل الغد. وينتمي أنطوان غانم رسام الكاريكاتير في صحيفة «الجمهورية» الناطقة بلسان القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، ذي التاريخ الأسود، إلى هذه القوات، أوليس هو من شبه في رسم كاريكاتيري له بمناسبة ذكرى مجزرة عين الرمانة في 13 إبريل/نيسان 1975 التي كانت الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية في لبنان، وارتكب فيها حزب الفلانج/ الكتائب مجزرة مروعة راح ضحيتها نحو30 شهيدا فلسطينيا معظمهم من المدنيين، تلك المجزرة التي أشعلت فتيل الحرب، ولا تزال ذيولها ممتدة إلى الآن، رغم كل محاولات النسيان. وشبّه غانم ـ الذي لم يحاسب بعد ـ في رسمه، الفلسطيني بكوفيته الفلسطينية (13 نيسان 1975) بفيروس كورونا (13 نيسان 2020).

وهل يمكن أن يقرأ ذلك بعيدا عن قرار بناء جدار عازل حول مخيم عين الحلوة، أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، بارتفاع خمسة أو ستة أمتار، ولأسباب أمنية، هدفها كما يزعم بناته، حماية الطريق الدولي في محيط المخيم، خصوصا قوافل قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان. ألا يعطي هذا التبرير الذي لا أساس له، الانطباع بأن أهالي المخيم يشكلون خطرا أمنيا على الطريق الدولي، الموجود منذ عشرات السنين، ولم يتعرض يوما لأي مضايقات، أليس في ذلك تحريض واضح على اللاجئين الفلسطينيين. وما يؤكد أن «فرمان» حرمان اللاجئين الفلسطينيين من العودة على متن طائرات ميدل ايست، لم يكن إلا قرارا عنصريا، ولما جرى تبادل الاتهامات بشأنه بين الحكومة ومديرية الأمن في لبنان، كان رد الحكومة أنها لا علم لها بالقرار، وهو من مسؤولية مديرية الأمن، لترد عليها المديرية بالقول، إنها تنفذ قرارا حكوميا، وأيا كان صاحب القرار فهو مرفوض جملة وتفصيلا.

سلط القرار الضوء مجددا على تخلف النظام اللبناني الرسمي بمجمله، الذي كنا نتوقع منه أن يكون رائدا في العالم العربي، تقدما وتحضرا في الجوهر والمضمون، إنه نظام يمارس العنصرية ضد المرأة اللبنانية، التي تشكل نصف المجتمع، إن لم يكن أكثر، ويحرمها من حقوقها، رغم مشاركتها الكبيرة في الحكومة الحالية. وحتى محاولة وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل، تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، جاءت ناقصة كما العادة. ووفق مشروع باسيل فإن من حق المرأة اللبنانية منح أولادها الجنسية إذا كانت متزوّجة من غير لبناني، مستثنيا الأزواج من دول الجوار، أي اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، لان هؤلاء من وجهة نظر البعض يشكلون خطرا على التركيبة الديمغرافية في لبنان. وللمساواة بين الرجل والمرأة، فإن باسيل يريد أن يسلب الرجل حق منح الجنسية لأولاده من أمهات فلسطينيات وسوريات، وشكرا لباسيل على جهوده ومحاولاته.

إذن لا غرابة في ما يصدر عن حكومة لبنان وأجهزتها الأمنية من قرارات حول السماح بعودة العالقين بسبب جائحة كورونا، فكله مرتبط ببعضه، رغم أن عودة العالقين من اللاجئين الفلسطينيين لن يغير في الميزان الديمغرافي. إنها مجموعة قرارات وإجراءات متشابكة، غرضها الأساس استثناء اللاجئ الفلسطيني، وحتى حامل جواز سفر السلطة الفلسطيني من خدمات ومساعدات إنسانية، في هذه الظروف التي يتكافل ويتكامل العالم بأسره من أجل مواجهة هذا الوباء الشرس، الذي قضى حتى الآن على مئات الآلاف البشر، واصاب نحو 4 ملايين آخرين.

إذن ليس صدفة أن يستثنى العالقون من الفلسطينيين من عملية نقلهم إلى ديارهم، سواء في المدن اللبنانية أو المخيمات، رغم انهم لا يزالون، أو هكذا يفترض تحت حماية السلطات اللبنانية، والمشكلة ليست فقط في منع السفر، ولكن الأسلوب المهين الذي يعامل فيه رجل الأمن الشخص، لأنه فلسطيني فقط ما يذكر في الماضي غير البعيد.

وليس صدفة أن يقارن الفلسطيني بفيروس كورونا، كما ليس صدفة صدور قانون العمل الذي خرج علينا به قبل نحو سنة، وليس صدفة ايضا محاولات بناء الجدار العازل حول عين الحلوة.

هذه لا يمكن أن تكون صدفا، وإنما مؤشرات إلى حنين هؤلاء للعودة إلى أيام زمان، عندما كان رجل المكتب الثاني (المخابرات اللبنانية المسؤول عن الملف الفلسطيني) يدوس على «اتخن» شنب في المخيمات الفلسطينية. وعلى ما يبدو فإن العنصرية والكراهية متفشية في المؤسسات الرسمية والأمنية اللبنانية، وتعود إلى إعلاء صوتها بين الحين والآخر، في محاولة من بعض الأطراف لإلقاء أعباء المشاكل الاقتصادية منها والسياسية والأمنية، كما دوما على العنصر الفلسطيني، في محاولة لإرجاع لبنان إلى أجواء منتصف السبعينيات المشبعة بالمجازر والكراهية والأحقاد والعنصرية، لا أعادها الله. فلا توقظوا الفتنة فهي أشد من الكفر، ولا تعيدوا لبنان إلى أحقاد ومشاكل الماضي، عندها لا يلوم المحرضون والكارهون، إلا أنفسهم فلن تبقي ولن تذر مع تضاعف أعداد اللاعبين على الساحة.

في خضم ذلك لا يمكن التغافل عن التضحيات العظام التي قدمتها ولا تزال الملايين من اللبنانيين على مرّ السنين، كما ليس صدفة الهجمة الدرامية السعودية/ الإماراتية التعاطفية مع دولة الاحتلال خلال الشهر الفضيل، الرامية إلى التطبيع المفضوح والرخيص مع دولة إسرائيل، ممثلة بمسلسلي «أم هارون» و»برنامج 7» اللذين تبثهما قناة «أم بي سي» التابعة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. يأتي ذلك على حساب تشويه صورة الفلسطيني ونضاله وقضيته. وفي السياق لا يزال البعض في دول الخليج يتحدثون عن كيف يتفضلون على المغتربين في بلدانهم، بأموال، وكيف يستغل هؤلاء المغتربون، هذه الأموال لتعليم أولادهم، فهل يتوقع البعض أن يعمل المغترب العربي بالمجان. جاء ذاك في تعليق لقارئ على مقالي في الأسبوع الماضي.

ونحب أن نوضح لبعض الإخوان الخليجيين أن هؤلاء المغتربين، عندما جاؤوا للعمل إلى بلدانهم جاؤوا متعلمين وحاملي شهادات من مهندسين وأطباء وممرضين ورجال أعمال وأصحاب الصنائع من التجارة للحدادة إلى تنسيق الحدائق إلخ، شهادات دفعوا أو دفع اهاليهم دماء قلوبهم ومدخراتهم من أجل تحصيلها.

وأختتم بالاعتداء الكلامي على الشعب الفلسطيني لـ»الكاتب السعودي» في جريدة عكاظ محمد الساعد، وهو من اذيال المتأسرلين السعوديين الجدد، عن كيف ارهقت القضية الفلسطينية السعودية ماليا. وبينما لا يتوقف الشعب الفلسطيني عن التعبير عن شكره وامتنانه للشعب السعودي، على كل المساعدات السياسية والمالية، لكن صاحبنا على ما يبدو مصاب بمرض الشيخوخة، يتذكر الماضي ولا يتذكر الحاضر، يتذكر ما دفعه الشعب السعودي مشكورا، وعلى مدى8 عقود، وهو لا يساوي واحدا على45 من ثمن صفقة واحدة أبرمها النظام السعودي مع دونالد ترامب والحبل جرار. وهنا يقع الكاتب المتأسرل الجديد أيضا في خطأ التعميم، بالتحريض على مجمل الشعب الفلسطيني بالقول، «إن الكذب والتزوير على الرياض لم يكن عبثاً أو طريقاً تاه فيه الفلسطينيون وعرب الشمال (وهو المصطلح الذي يستخدمه المتأسرلون لوصف أهل بلاد الشام)، بل كان تزويراً ممنهجاً ومقصوداً».

وسوم: العدد 876