المستوزرون ..

المستوزر : هو الطامح إلى الوزارة ، المتطلع إليها. المتلمظ عليها ، الذي يحاول أن يفي بمتطلباتها على مستوى السلوك ، والقول ، واللباس ، والمشية ، والأصدقاء ، والمدخل والمخرج ، ويغير زوجته وسيارته وبيته أو سجادة صالونه وفاء باستحقاقاتها.

والحديث عن " المستوزر " حديث قديم ، عايشناه مع نخب متعددة الألوان والانتماءات على مدى نصف قرن . كثير من المنتمين - من مختلف الانتماءات - هجروا انتماءاتهم وفاء بحقوق الوزارة . أحفظ أسماء كبيرة من تاريخ سورية البعيد والقريب ومن تاريخ غيرها من البلدان . وكان الناس إذا تساءلوا : ما بال فلان ؟ يختصرون الجواب على أنفسهم بأنه مستوزر . ويكفي الإنسان لكي يستوزر أن تصله غمزة رضا من صاحب سلطان ..

وحدثني بضعة شباب من الذين ابتلوا مبكرين في سياقات الثورة السورية - والبضعة عدد بين الثلاثة والتسعة - كلٌ منهم يقول : أنه بعد أن ألقى مداخلة وسط محفل للسوريين محضور ، اقترب منه سفير أو وزير ، وقال له فيما قال : أنت ..أنت ..

أي أنت الفهيم الذكي الأريب السياسي الألمعي الذي يعوّل عليه ..

بعض هؤلاء لا يزال يعيش على وهج هذه الكلمات ، يتدفأ عليها في ليالي حلمه النرجسي الباردة .. واحد من ستة أو سبعة من الذين حدثوني ، فهم الخديعة ، وقال لي : لعله يقول هذا الكلام لكل متحدث غيري ..

في أحد الأفلام الفرنسية ، رجل كلما توقفت سيارته على إشارة ضوئية ، فوجد على يمينه امرأة تقود . فتح شباك سيارته وقال لها : أنت أجمل امرأة قابلتها هذا الصباح . وربمل تبادلا الابتسام . هو يقول في نفسه أنا أوزع الغبطة بهذه الكلمات على النساء . واحدة ذكية منهن ، واحدة فقط أجابته : وأنا أجزم أن هذه المرة العاشرة التي تقول هذه العبارة - أنت أجمل امرأة - هذا الصباح ..

ونعود إلى المستوزين ، وكل الحروب الخشنة والناعمة ، تحتاج إلى جنود وضباط صف وضباط أعوان وضباط قادة وضباط أمراء .. ولكن كيف تقاتل مجموعة بشرية كل من فيها يظن أنه المشير والفريق واللواء ..

هؤلاء المستوزرون الذين يحرصون على أن يفرقوا تسريحة شعورهم على الشعرة ملأ للأعين ، لا يكون منهم إتاء ..فكيف لأحدهم أن يقول كلمة خارج السياق الوزاري ولو في الدفاع عن نفسه فتحسب عليه إلى أبد الآبدين ..عليك أن يبقى سجلك نظيفا ، وأظافرك مقصوصة ، ومنديلك أبيض ، كذا يوحي بعضهم إلى بعض ..

في ديوان شعرنا القديم بيت من الشعر ظريف بنيت عليه حكاية ، لا أريد أن أحكيها وإنما أكتفي ببيت الشعر الذي كان أصله للنابغة الذبياني ..

تعدو الذئاب على من لا كلاب له .. وتتقي صولة المستأسد الحامي

فمن يرد عنا صولة الذئاب وقد كشرت عن أنيابها ؟!!!

عندما كنا شبابا كان الكبار يحدثوننا هكذا : عندما جاء الفرنسيون إلى سورية كانوا كلما نصبوا للشباب كمائن للتفتيش وجدا في جيوبهم إما القندرجية وإما الكباس أبو خمس طقات . وعلى ذمة أولئك الكبار أن الفرنسيين لم يخرجوا من سورية حتى أصبحوا يضبطون في جيوب الشباب المشط والمرآة ..

رسالة إلى من يهمه الأمر

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 885