من القنوات التي تحارب السيسي… إلى صدى الصوت الأعلى للإعلام!

بدا واضحاً أن عبد الفتاح السيسي وجد في «لو فيغارو» الفرنسية الأمان المنشود أو أنها «وطن» و«الوطن» حسب تعريفه هو «حضن» وتعامل معها على أنها قناة «العربية» أو «الإخبارية» السعودية، فاختصها بذكر اسم «جماعة الإخوان المسلمين» ولأول مرة تصريحاً لا تلميحاً، ففي خطابه المعتمد، هم «أهل الشر» أو «الأشرار» ربما لأنه طالع اسم رواية «الأشرار» للصحافي الراحل عمرو عبد السميع، فأعجبه، ووجده صالحاً للاستعمال في مواجهة الجماعة التي استفاد من حكمها كثيراً.

وفي برنامج «المسائية» على «الجزيرة» مباشر، قدم مراسلها في باريس محمد الرماش، تعليقاً مهماً حول حوار الصحيفة الفرنسية، وكيف أن السيسي عندما ذكر اسم جماعة الإخوان، كانت إجابة خارج السياق، فالسؤال كان عن التحديات، التي تواجه بلد المئة مليون مواطن، بعد أن تشدد في المصالحة مع إسرائيل؟ فذهب ليقول الإخوان، الذين وصفهم بأنهم يمثلون خطراً على المواطن الأوروبي. لا تنسى أنه يواجه الإرهاب نيابة عن العالم، حسب قوله أيضاً.

والحال كذلك فقد بدا لي أن المقابلة «إعلان مدفوع الأجر» قبل فيه المحاور القفز بعيدا عن الإجابة على السؤال المطروح، دون إعادة طرحه عليه، فهل أرسلت الصحيفة الأسئلة وتلقت الإجابة عليها مكتوبة، فلماذا لم يقم الصحافي المحاور بإعادة ارسال السؤال مرة أخرى؟ إلا إذا كان إعلانا مدفوع الأجر، والقاعدة الصحافية القديمة تقول إن الخبر ملك القارئ، والرأي ملك صاحبه، والإعلان ملك المعلن، وفي هذه الحالة يكون مباحاً أن يكتب المعلن السؤال والإجابة، لكن مع وضع ما يشير إلى ذلك وفي مصر نكتب أعلى هذه النوع من الموضوعات «موضوع تسجيلي» للتمييز بينه وبين المادة الصحافية.

نقطة ثانية مهمة أشار إليها مراسل الجزيرة مباشر، وهي ما عزز لدينا الإتجاه بأنه «إعلان» هو أنه ذكر أن «لوفيغارو» وفي صفحة كاملة تمدد عليها حوار السيسي، لم تعرض قضية حقوق الإنسان في مصر سوى في فقرة، يتيمة، ولم تتطرق إلى ملف اعتقال الصحافيين، ولو من باب الإنحياز الطبيعي من المحاور لزملاء يعملون في المهنة نفسها! في وقت لاحق أكد الرماش، أن «لوفيغارو» مملوكة لنفس الشركة التي تصنع «الرافال» عند إذ، فإن الأمور صارت أكثر وضوحاً، والتي جعلت من مندوب الجريدة الفرنسية، الذي أجرى المقابلة يتعامل كما لو كان في حصة إملاء يطرح أسئلة، ربما كانت مكتوبة، ثم يكتب ما يملى عليه من إجابات!

والجنرال المصري هو «الزبون الدائم» لمصنع طائرات الرافال، ومنذ عهد الرئيس السابق، وكلما تلقت مصر مساعدة مالية من الخارج، أو قرض، فإن الرئيس الفرنسي يكون في اليوم التالي في القاهرة، حتى تحول الأمر إلى فضيحة، بعد ما نشرته صحيفة «لا تريبيون» الفرنسية عن مشكلات في الطائرات، التي وصفها مركز أبحاث الأمن الإسرائيلي أن الصفقة تعد إنجازا لفرنسا، ولن تسهم في تعزيز قوة الجيش المصري لعجزها عن حمل صواريخ غير فرنسية، ولم يتم الرد على المنشور، والسكوت علامة الرضا، لكن شوهد السيسي في زيارته قبل الأخيرة إلى فرنسا، وهو يستقل الطائرة الرافال مع إعلان بأنه في طريقه لباريس، وقد ذكر الخبراء أنه من المستحيل أن تقطع الطائرة كل هذه المسافة، وبدت الطائرة قريبة من مستوى الأرض، على نحو ذكرنا بطائرات «الرش» التي تقوم برش محصول القطن بالمبيدات، ولكم جرينا خلفها ونحن أطفال أبرياء، وعندما كانت ترتفع كنا نعتقد أنها هربت من مطاردتنا لها. لقد غادرتنا الطفولة ولم تغادرنا البراءة، فاعتقدنا أن الرافال تصلح طائرة سفر، لولا كلام الخبراء!

ولو ثبت أن الخبراء يفتقدون للدقة في تقدير قدرة الطائرة على السفر لمسافات بعيدة، فإن الأصل في شراء الرافال أنها طائرات مقاتلة، وليست طائرة ركاب، أو ليتفقد بها السيسي الرعية!

ولم نكن في حاجة إلى ما ذكره مركز الأبحاث الإسرائيلي بأن صفقات الرافال سياسية وليست من باب تسليح الجيش المصري. وهناك تقرير نشر مؤخراً بأن إيطاليا تأتي على رأس الدول المصدرة للسلاح في مصر، ولم نكن في حاجة لنعرف أنها جزء من «دية ريجيني» لكن ها هي إيطاليا تعود من جديد، لتفجر القضية عن طريق النائب العام الإيطالي وليس عبر الحكومة أو البرلمان، كما كان يحدث في المرات السابقة. وكان من الواضح أن حوار «لو فيغارو» هو جزء من المبلغ المسترد بعد التعاقد على صفقة الرفال باعتبارها طائرة مقاتلة، فاكتشفوا أنها «طائرة رش»!

6 قنوات تحاربنا

في الحوار الدعائي في «لو فيغارو» حصر السيسي قنوات الأعداء في ستة قنوات، هي التي قال إنها تحارب الدولة المصرية، وإنها تبث عبر الأقمار الإصطناعية الأوروبية، دون أن يحدد هذه القنوات، كما حدد التحدي الوحيد الذي يواجه بلد المئة مليون مواطن بالاسم، وقال «الإخوان المسلمون».

وذهبت أجتهد في معرفة هذه القنوات، التي يعنيها فهناك قنوات «وطن، والشرق، ومكملين» هذه ثلاث قنوات وهي القنوت التي تبث من تركيا، فما هي القنوات الثلاث الأخرى؟ الرابعة لا بد أن تكون الجزيرة؟ فهل يقصد «الجزيرة الإخبارية» و»الجزيرة مباشر» على أنهما قناتان أم أنهما قناة واحدة؟!

يقول البعض إنه يقصد «الحوار» و»التلفزيون العربي» وقد صنف هو القناة الأخيرة على أنها من قنوات الأعداء، قبل إطلاق بثها وفي تصريح له، وبهذا يكون قد نظر لـ»الجزيرة» باعتبارها قناة واحدة!

اللافت هو ما ذكره من أن القنوات التي تحاربه تبث إرسالها عبر الأقمار الاصطناعية الأوروبية، وبشكل تحريضي، فهل توقع أن تقوم دول الإتحاد الأوروبي برفعها، وهل هذا في سلطتها؟ ولماذا؟!

إنه كمن يعتقد أنه في طريقه لإصدار قرار بإغلاق مقهى يعمل دون ترخيص، فهذه القنوات تصل للقاهرة، ليس عبر القمر الأوروبي، ولكن عبر «النايل سات» ومن شركات متخصصة اشترت مبكراً شرائح على القمر للإتجار فيها، وهناك «القمر سهيل» القطري، فالبدائل دائما جاهزة، والتشويش على الجزيرة في القاهرة بعد الإنقلاب، ربما كان سبباً في التعجيل بإطلاق «سهيل»!

والتلفزيون، ليس موقعا إلكترونيا يمكن حجبه، مثل عشرات المواقع المحجوبة في مصر، ومن بينها مواقع الجزيرة، وجريدة العربي الجديد، والقدس العربي، وعربي 21، ولا أدري لماذا توقف الجميع عن إثارة هذه الموضوع ضمن ملف قمع الصحافة.

ولكونه لا يستطيع حجب القنوات الفضائية فذهب يحرض عليها الغرب، لعل وعسى! المشكلة هنا أن ست قنوات فقط يراها السيسي أنها تحاربه، في الوقت الذي يملك فيه ترسانة من القنوات التلفزيونية، ملكية مباشرة، وهذا اعتراف منه بفشل هذه القنوات، رغم أنها متحررة من أي قيد أخلاقي، وتستبيح الخصوم، وتمارس التلفيق، وهذا ولا شك من نقاط ضعفها، بجانب السيطرة العسكرية عليها، وكأنها جزء من المعسكرات، والأزمة الكبرى في غياب الحرية تماما فيها.

وقد كانت الحرية النسبية قبل الثورة، سببا في أن تنافس برامج مصرية ومن «البيت بيتك» إلى «العاشرة مساء» على نسبة من المشاهدين، واستمر الحال إلى ما بعد الثورة، لكن الحاصل الآن لا بد وأن يدفع المشاهد للبحث عن القنوات «التي تحاربنا». مطلوب من الجنرال أن يعرف أن هذه القنوات لم تجذب المشاهد عن طريق السحر والأعمال السفلية.

أزمة الكابلات البحرية

«أنده ويرد الصدى.. أنا وحبيبي أنا» هذا كوبليه ينطبق على المجلس للإعلام، وتابعه النقيب المعين لنقابة الإعلاميين؛ فيتخذ المجلس قراراً بإيقاف مذيع لأسباب تتعلق بالمحتوى فيرد النقيب المعين بقرار وقف لأن المتهم يمارس المهنة بالمخالفة لقانون نقابة الإعلاميين!

وفي الأسبوع الماضي، أوقف المجلس الأعلى للإعلام كلا من أسامة كمال وريهام سعيد، فرد النقيب المعين، بإيقافهما تنفيذا لقانون النقابة، ولا ندري ما هي الأسباب التي تجعله نائما فلا يستيقظ إلا عند صدور قرار للأعلى للإعلام، والقانون يجعل من عضوية النقابة إلزامية وكشرط لممارسة مهنة المذيع؟!

لا نعرف بطبيعة الحال نقيب الإعلاميين، وما هي إنجازاته على مستوى ممارسة المهنة، لكن المؤكد أن النقيب المعين السابق حمدي الكنيسي سلمه النقابة «كعهدة» بعد استقالته استعدادا لخوض الانتخابات على موقع النقيب، المحظور خوضها على النقيب المؤقت والمعين بقرار حكومي، وربما اختار بديله بعناية، لكن من الواضح أن السلطة في الوضع الحالي، تجاهلت اجراء الانتخابات بل وعينت المؤقت عضواً في مجلس الشيوخ، ليذكرنا هذا بتجربة نقيب الممثلين السابق يوسف شعبان مع أشرف زكي السكرتير العام للنقابة، وكان الأخير شبه عاطل عن العمل إلا ما ندر، ومتفرغا للنقابة تماماً، وكان يخدم الأعضاء كوسيط بينهم وبين النقيب وعلاقاته، وفي النهاية فان من كان «في الصورة» هو أشرف زكي لينجح في الإنتخابات التالية كنقيب للممثلين، وهي أفة الإستعانة بالشخصيات الهامشية باعتبارها غير منافسة ولا تمثل خطراً! ليس عندي دفاع عن أسامة كمال، لكن الموضوع – الأزمة، الخاص بالمخطط الإسرائيلي لنقل خط الكابلات البحرية، الذي يربط شبكة الإنترنت من أوروبا إلى العالم عبر القاهرة، لتكون إسرائيل بديلا عن القاهرة، وهو منشور بكثافة، ونقله أسامة عن صحف أجنبية، وبدلا من الرد عليه تم وقف برنامجه، على قناة «المحور» وتغريمه مئة ألف جنيه!

لقد تراجع المجلس الأعلى عن قرار إيقاف ريهام سعيد، لأنها تقوم بمهام أمنية، وقد تجاوز عندما أوقفها دون استئذان الأجهزة، وسيعود أسامة بعد الوقف المؤقت!

والمؤكد أن النقيب المعين، لن يتمسك بقراره، لأنه مجرد «صدى» في وصلة «أنا وحبيبي أنا»!

وسوم: العدد 907