سجن «برج العرب» في مصر: تكدس في الزنازين وتعذيب وإهمال طبي

القاهرة ـ «القدس العربي»: داخل منطقة صحراوية تابعة لمحافظة الإسكندرية يقبع مئات الآلاف من السجناء في ظروف غير آدمية في سجن برج العرب، الذي يعود تاريخ تدشينه إلى عام 1997، حسب تقرير لـ«مبادرة خريطة التعذيب المصرية».

ورصدت المبادرة التي دشنتها منظمتان حقوقيتان مستقلتان هما «المفوضية المصرية للحقوق والحريات» ومركز «النديم لتأهيل ضحايا التعذيب» في تقرير حمل عنوان «سجن مضاعف» الانتهاكات التي يشهدها سجن برج العرب الموجود في الصحراء الغربية، من تكدس داخل الزنازين وتعذيب وتجريد من المتعلقات الشخصية وسوء الطعام المقدم للنزلاء والإهمال الطبي المتعمد الذي يؤدي إلى الوفاة.

وأكد التقرير أن أماكن الاحتجاز في مصر تشهد على مدار السنوات الماضية حالة من الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان المسجون، بما لا يدع مجالا للشك بمحاولات النظام الحاكم في مصر الدائمة للتنكيل بمعارضيه ومعتقلي الرأي عن طريق احتجازهم لفترات طويلة داخل أماكن تفتقد في أغلبها لظروف آدمية تحفظ كرامة السجناء.

وبين أنه خلال السنوات الماضية التي تلت 3 يوليو/ تموز 2013 اتسعت دائرة الاشتباه وتزايدت حملات القبض العشوائي لتطول عشرات الآلاف من المواطنين المصريين، طبقًا لبيانات صادرة عن عدد من المؤسسات التي تعمل على توثيق حالات الاعتقال والتوقيف، كما صاحب هذه الحملات قيام السلطات بإصدار عدد من التعديلات التشريعية بدأت بالقانون رقم 107 لسنة 2013 الذي أصدره الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 بشأن تنظيم التظاهر. كذلك فإن قانون مكافحة الإرهاب (قانون رقم 94 لسنة 2015) الذي أصدره الرئيس الحالي، وسع تعريف العمل الإرهابي ليشمل أي أعمال تضر بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والإخلال بالنظام العام.

ولفت التقرير إلى احتجاز الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي لعدة أشهر في سجن برج العرب قبل بدء محاكمته عقب عزله في يوليو/ تموز 2013.

وتابع: هذه التشريعات أطلقت يد السلطة التنفيذية متمثلة في وزارة الداخلية وفي مقدمتها قطاع الأمن الوطني في القبض على الأشخاص واحتجازهم بتهم ملفقة في أغلب الأحيان وبدون تهم في أحيان أخرى، وهو ما استتبعه إنشاء دوائر محاكم جنايات متخصصة لقضايا مكافحة الإرهاب والتي تحاكم آلاف الأشخاص وتصدر أحكاما بالسجن المشدد وقد تصل إلى الإعدام بمحاكمات تفتقد أبسط ضمانات المحاكمة العادلة.

وزاد التقرير أنه خلال السنوات السابقة ومع تزايد عدد المقبوض عليهم أصبحت السجون وأماكن الاحتجاز غير قادرة على مواكبة الزيادة في أعداد السجناء، وهو ما دفع وزارة الداخلية لزيادة عدد المسجونين داخل السجن الواحد بما يفوق طاقته الاستيعابية، وفي ظل خدمات متردية وبنية تحتية ضعيفة أصبح السجناء داخل هذه السجون يعيشون حياة غير آدمية تفتقر للحد الأدنى لما يحفظ كرامتهم الإنسانية من مياه وطعام وصرف صحي وسوء تهوية، فضلًا عن سوء المعاملة المستمر من جانب سلطات السجون والذي يصل في العديد من الحالات إلى التعذيب البدني والنفسي وعدم تقديم الرعاية الطبية بما قد يؤدي للوفاة.

ونقل التقرير شهادات لسجناء تحدثوا فيها عن المعاناة التي يعيشها نزلاء سجن برج العرب، من تردي الأوضاع المعيشية، حيث أصبح عدد النزلاء أكبر من الطاقة الاستيعابية للسجن، إضافة، إلى تعنت إدارة السجن في دخول المستلزمات الشخصية التي تكفل للموجودين بداخله حدا أدنى من الحياة الكريمة.

«التشريفة»

وحسب شهادات السجناء، يعاني نزلاء برج العرب من التعذيب منذ اللحظة الأولى التي تطأ أقدامهم أرض السجن من خلال ما تعرف بالتشريفة، وهي الاعتداء الجسدي واللفظي ضد السجناء لحظة وصولهم، إضافة إلى ما تعرف بغرف التأديب، وعمليات التجريد التي تقوم بها إدارة السجن أو مصلحة السجون، وما يترتب عليها من احتياجاتهم الشخصية.

تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات فيه ويؤكد حصول 28 حالة وفاة خلال 7 سنوات

ونقل التقرير عن أحد نزلاء السجن ويدعى محمود سيد، قوله: كنا 27 فردا في زنزانة مساحتها 4 أمتار، وكنا نقسم أوقات النوم حتى تكفينا الزنزانة، بمعنى ناس تنام وآخرون يقفون عند باب الحمام، وهكذا لمحاولة تخفيف حدة التكدس.

طعام سيئ

وتناول التقرير حالة الطعام الذي يقدم للسجناء، إذ لم يختلف رأي أي من نزلاء السجن عن مدى سوء الطعام الذي يتم تقديمه من إدارة السجن، وعدم صلاحيته على الرغم من أهمية التغذية داخل السجن كعنصر وقائي من ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض سوء التغذية.

وزاد التقرير: يعتمد النزلاء بشكل أساسي على مصادر غذاء إضافية كالزيارات العائلية أو الاضطرار إلى اللجوء إلى كانتين السجن لشراء الطعام.

وفيما يتعلق بالإضاءة داخل السجن، نقل التقرير شهادة أحد السجناء السابقين في الفترة بين عامي 2013 و 2015قال فيها: كنا نشتري الأسلاك لإدخال الكهرباء والإضاءة للزنزانة وكانت تكلف 800 جنيه مصري.

وتناول التقرير ما وصفه بالإهمال المتعمد في الرعاية الصحية للسجناء، وأن السجن شهد 28 حالة وفاة في الفترة من فبراير/ شباط 2013 حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

سيئ السمعة

وتابع: إنه على الرغم من حداثة عهد السجن، إلا أنه لم يستغرق وقتا طويلا حتى يكتسب سمعته كمقر احتجاز سيىء السمعة، تمارس فيه الانتهاكات بحق السجناء بمعزل عن الأنظار، ففي عام 2009 أثيرت قضية مقتل يوسف أبو زهري، فلسطيني الجنسية، وهو الشقيق الأصغر لسامي أبو زهري المتحدث الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية «حماس» الذي محتجزا داخل سجن برج العرب، متأثرا بجراحه نتيجة التعذيب.

وحسب التقرير: طالب سامي أبو زهري وقتها السلطات المصرية بفتح تحقيق في وفاة شقيقه الأصغر والذي كان قد تم القبض عليه أثناء عبوره الى الأراضي المصرية قبل 6 أشهر من وفاته، وقال إن شقيقه توفي نتيجة نزيف حاد في المعدة نتيجة التعذيب على يد أفراد أمن مصريين.

الكرامة والأدمية

واختتم التقرير أن السجن كعقوبة سالبة للحرية أو الحبس الاحتياطي لا يجب أن تنتقص من قدر الشخص، وأن الحقوق الأساسية للشخص المسجون تتحدد انطلاقا من كونه إنسانًا له كامل الحق في التمتع بكافة الحقوق في المعاملة الإنسانية التي تحفظ عليه كرامته وآدميته والتي نصت عليها كافة المواثيق الدولية المتعلقة بالأشخاص المحرومين من حريتهم، إلا أن تعامل سلطات السجون وأماكن الاحتجاز في مصر ينطوي بشكل دائم على انتهاكات لحقوق السجناء، وهو ما يضعنا أمام عدد من التساؤلات حول دور النظام العقابي في إعادة تأهيل الأشخاص المحرومين من حريتهم تمهيدا لإعادة إدماجهم في المجتمع مرة أخرى، أم أن النظام السياسي يستخدم المؤسسات العقابية في التنكيل بمعارضيه في محاولاته الدائمة لإرهابهم وإسكاتهم والتخلص منهم على المدى الطويل بما يشبه عمليات القتل البطيء؟

وسوم: العدد 907