هل تسري ملامحُ الحلّ في ليبيا على الملفّ السوريّ؟

لرُبَّما يكون من الترف السياسيّ أن نفكّر بالطريقة التي سيذهب فيها هذا المقال؛ بيدَ أنّه من حقّ السوريين أن يفكِّروا في كلّ الحلول، ويذهبوا في كلّ الطرق التي يمكن أن يتلمَّسوا فيها حلًا لقضيتهم.

فهم بعد ما يقرب من عشر سنوات، وجدوا أنفسهم في مزادات سياسية بعيدة كلّ البعد عن إيجاد حلّ لقضيتهم، التي ذهبت فيها الأطراف المنخرطة (دولية، وإقليمية) إلى الحدود القصوى في البحث عن مصالحها على حساب مصلحة السوريين.

قد يعترض على ما سيُطرح من الأفكار في هذا المقال، مَنْ وصل معيارُ المركزية عنده إلى أعلى المؤشر، وليس في ذلك تثريب عليه؛ غير أنّا نخشى أن يستمرئ كلُّ طرف استجلابَ مُحتلِّه، ونركُنَ إلى نموذج (سيكس بيكو) أقسى من (المناطقية السياديّة)، التي تحملُها الأفكارُ التي ستطرح، كرؤية من ملامح الحلّ في سورية، على غرار الرؤية التي توصَّلت إليها الأطرافُ الليبيّة؛ للخروج من عنق الزجاجة التي استعصى فيها الحلّ، وهروبًا من جولة جديدة من حرب لا طائلَ منها.

لقد توصَّلت الأطراف الليبية – لرُبّما باستشارات وضعتْ لهم من تحت الطاولة - في أعقاب جولة جديدة من المحادثات في المغرب، إلى خطة تسوية لأزمتهم، فأعلن الوفدان اللذان يمثلان طرفَي الأزمة، يوم السبت: 23/ 1/ 2021، عن افتتاح باب الترشح للمناصب (السيادية) السبعة، في البلاد، من 26 يناير إلى 2 فبراير.

وتتضمّن هذه الخطة تشكيل لجنة مصغرة من مجموعة (١٣+١٣)، تضم ستة أعضاء، وممثلين عن كل من أقاليم ليبيا الثلاثة: برقة، طرابلس الغرب، فزان، وستسند إلى هذه اللجنة مهمة إعلان بدء الترشح لتولي هذه المناصب والمهلة الزمنية وفرز الملفات، فضلًا على اختيار شخصيات من بين المرشحين، وإحالتها للمجلسين وفق الضوابط والمعايير التي تم الاتفاق عليها؛ حتى تتمكن السلطة التنفيذية، التي سيتم انتخابُها الأسبوعَ المقبل في جنيف، من التنسيق بشكل سلس مع المسؤولين الجدد، وذلك بحسب إعلان مشترك أصدره الطرفان، يوم الجمعة: 22/ 1/ الجاري، في بوزنيقة جنوب العاصمة المغربية.

وكان ذلك من ثمار الحوار السياسي الذي يجري من أجل التوصل إلى حلّ يفضي إلى عملية تسوية سياسية، بعد أن اقتنع عقلاء الأزمة الليبية باستحالة المضيّ في عسكرة الحلّ، والذهاب في الحلول الإقصائية إلى منتهاها.

يشار إلى أنه في شهر: 10/ أكتوبر: 2020، توصل طرفا النزاع هناك إلى اتفاق على هدنة دائمة، واستأنفا الحوار السياسي بدعم من الأمم المتحدة.

كما اتفق ممثلون من الجانبين، خلال اجتماعهم في مصر قبل أيام، على تنظيم استفتاء على الدستور قبل إجراء الانتخابات المقررة في شهر: 12/ ديسمبر: 2021. وستُعقد محادثات جديدة بين الأطراف الليبية بمصر في فبراير، لتحديد خريطة طريق للاستفتاء والانتخابات، وفق ما أُعلِن عنهما.

لقد كان حريًّا بالأطراف السورية أن تعلن عن اتفاق سوريّ تضع من خلاله ملامح الحلّ لأزمتها، على غرار هذا الاتفاق الليبيّ – بغض النظر عن مؤشر الرضا عنه –، يعتمد المناطقية عوضًا عن النزعات العرقية والطائفية، ويكون فيه الترشيح إلى المناصب السيادية وفق هذا التقسيم الجغرافيّ المقترح:

1- دمشق/ العاصمة. 2- المنطقة الجنوبية. 3- المنطقة الوسطى. 4- المنطقة الساحلية. 5- المنطقة الشمالية. 6- المنطقة الشرقية.

و حينها سيكون للمبعوث الأممي غير بيدرسون، موقفٌ آخر، غيرُ موقفه الأخير في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، يوم الاربعاء: 20/1- الجاري، التي أعلن فيها عن أسفه من أنّ " العملية السياسية في سورية لم تحقق بعدُ تغييرات حقيقية في حياة السوريين، وأنّه ليس هناك رؤية حقيقية للمستقبل، وأنّ ملايين السوريين داخل البلاد، وملايين من اللاجئين في الخارج يعانون من صدمات عميقة، وفقر مدقع، وانعدام الأمن الشخصي، وانعدام الأمل في المستقبل".

مؤكَّدٌ أنّ هناك فرقاءَ عديدين سيقفون من هذا التصوّر موقفًا تغلب عليه النزعة الانطباعية، غير أنّه عليهم أن ينظروا إلى نواحي سورية الأربع، ليروا أنّ هناك أربع حكومات تبسطُ سيطرتها عليها، وكلٌّ منها يتمسَّك بالأسس التي يشرعن فيها حاكميته.

وسوم: العدد 914