قولنا في الطائفية والطائفيين.. لسنا طائفيين ولا الطائفيون يخدعوننا

في فيديو مسجل وصلني عن قناة أورينت، وفي حلقة من برنامج "حق الرد " استمعت إلى حوار بين مقدم البرنامج ، وبين شخصية علمية سورية، عميد كلية " الطاقة المتجددة " حول إعلان هذه الكلية، عن منحة دراسية باسم الشهيد الساروت رفع الله مقامه في عليين، تُقدم هذه المنحة للطلاب " السوريين السُنّة فقط " !! في سابقة ربما كانت الأولى من نوعها في الفضاء العام السوري!! وأجرى مقدم البرناج حواره مع السيد عميد الكلية المشار إليها، في تخريج هذا التخصيص المستغرب ذي الطبيعة الطائفية .... فسمعت من أجوبة السيد العميد مع الاحترام عجبا ..وأي عجب؟؟!!

ولا أحب هنا أن أبدأ سجالا مع الشخصية العلمية المرموقة، والتي تستحق كل احترام في عقلي وقلبي ، ولكنني ومع توفري على احترام شخصه الكريم ، واحترام كل الشريحة الوطنية التي قد تقول بقوله، واحترام كل الشهداء السوريين الذين قضوا من أجل سورية العدل والحرية؛ فقد رابني من أقواله، وأنا الصديق المشفق أشياء وأشياء، تدفعني أن أعرض لا أن أعرّض كما جرت العادة ، مع الحرص على استدامة حبال المودة والحب مع الجميع ..

وأول ما سأقرره في أمر انتشار مثل هذا "الخطاب المأزوم" بل "المحترق الحارق"، هو تحميل المسئولية، عن شيوع مثل هذا الخطاب، إلى كافة المرجعيات الوطنية، والإسلامية منها بشكل خاص. فقد تخلت هذه المرجعيات عن منبر التوجيه والإرشاد، ولاذ كثير من مراكز القرار فيها بالصمت، بينما بدأنا نتابع بعض أصحاب التطلعات الفردية المقيتة، قد عادوا ليزاودو على الخطاب الداعشي بخطاب داعشي يلبس صاحبه البنطال، وليس السروال !! هذا الصمت الذي تقع فيه هذه المرجعيات والهيئات مريب، وهذا الصمت تخل عن أمانة، لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وهذا الصمت يعني أن الناس من حولنا قد عجزت حتى عن كلمة الحق تقولها فيما جرى اليوم من أحداث ، وما يشيع من أقوال هي إلى منكر القول وزوره أقرب.، إن ما تابعنا وسمعنا من واقع إعلان الكلية المريب أولا ، وتعليق السيد " أحمد جمعة " عميد الكلية، على قناة أورينت ثانيا ...ليثير العجب العجاب.

وأول ما سأقوله للسادة النجبا العلماء المفكرين في مجلس إدارة الجامعة أن حافظ وبشار الأسد منذ، نصف قرن يحتكرون في سورية "مؤسسات الوطن" ، وليس كلية خاصة، لمصلحة طائفة بشكل عام ، ودائما كان يمنعهم خبثهم الطائفي أن يقعوا في وحل السذاجة فيعلنوا ، أن الانتساب إلى الكلية الحربية- مثلا - وقف على طائفة معينة. وكلنا نحفظ منذ السبعينات النكتة التي كانت رائجة، أن لجنة القبول في الكلية الحربية بفروعها، كانت تضع " قنينة " على الطاولة ، وتسأل كل طالب متقدم : ما هذه ؟ ومن طريقة تسميتها تعرف هويته..!! وتقرر موقفها منه، هي الأخرى نكتة طائفية ساذجة، يشير إلى مدلوها إلى طريقة إغلاق الطرق إلى الكليات...

وعندما انطلق هتاف " المسيحي على بيروت والعلوي على التابوت " في مطلع هذه الثورة المباركة؛ . عرف كل السوريين أن هذا الهتاف تصنيع دوائر " الجبت والطاغوت" فرفضوه وأدانوه، واليوم نتابع رجالا سوريين متعلمين ومثقفين مأزومين يقعون في حمأته ، كيف ؟؟ وعلى مثلهم يعقد الأمل في الترشيد، فإذا هم يخوضون مع الخائضين ...

لن أكرر كثيرا من أقوال السيد أحمد جمعة، وأتمنى على أصحاب القرار في الكلية المشار إليها أن يسحبوا مثل هذا القرار المقيت، وأن يجنبوا روح الشهيد الساروت رحمه الله تعالى، هذا الموقف الضنك، الذي لا يليق ..وسأسرد في هذا السياق بعض قواعد موقفنا من الطائفية، التي نعتبرها جذام المجتمعات، وسرطان الأجسام والأرواح ، ومعول الفتك فيها، وتهديمها ، وأبسط ما نقول فيها قولنا العامي الساذج في الترشيد والتربية والتعليم " أنت لا تعض الذي يعض " وكفى تبريرا للخطأ نتردى فيه بأخطاء المننحرفين الضالين ..

وفي الحديث الطائفي أقول :

لسنا طائفيين ولا الطائفيون يخدعوننا ..!! وضعوا فوق هذه العبارة سبعة خطوط ...موقف غاب عنه الرشد منذ قرن مضى فكنا الضحايا وكنا المطايا ونحن لا ندري . ونون الجمع هنا تجمعنا مع كل الشرفاء السوريين. لا نظلِمُ ولا نُظلم. لا نبغي ولا يُبغى علينا . وذاك هو القسطاس المستقيم

وننبذ الطائفية ونجفف مستنقعاتها الآسنة ولا نرضى أن ننغمس في حمأتها.

وأصح الصحيح فيما يقال عن التكوين المجتمعي في سورية أننا ،مع تمسكنا بالمجتمع المدني الموحد، لسنا طائفة فيه، بل نحن جذر الشجرة، وجذعها،، ونحن الوعاء الكبير الحاضن، والذي يحتمل ، ويضمن حقوق الآخرين أن " لا وكس ولا شطط " في مقاربات حياة الناس.

تقوم المشروعات الفئيوية الطائفية على قواعد من الاستعلاء ، والاستئثار والرغبة في الحصول على الامتيازات، كما تقوم على موقف نابذ رافض مشكك في الآخرين ...

وفي كلتا الحالتين سيكون المشروع الطائفي والنهج الطائفي والسلوك الطائفي كل أولئك مرفوض ومدان ومستهجن.. ولا بد لبفاء المجتمعات من وجود راشدين يمسكون بلسان الميزان ..و.لتبقى سماء المجتمع الواحد ممطورة دائما بالبر والقسط، ومهما تعددت اختلافات الناس..وسنرد على الظلم بالعدل، والعدل ليس كما يظن البعض تضييع وتفريط...وما بعد العدل إلا الظلم الذي نأباه وتأباه شريعتنا وديننا وتاريخ اعتمدناه ..

وهذا ليس كلاما للاستهلاك نسوّقه، بل هذا في قواعد العدل الذي قام عليه أمر السموات والأرض (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)

ندرك أن الممارسات الطائفية التي خرجت عن كل مألوف ومعقول ومن أكثر من جهة، قد تسببت في حدوث أزمة وشروخ ... ولكن دائما يجب أن يبقى في صفوف أهل الحق العاقل والرشيد الذي يرد كل خروج على القاعدة إلى نصابها ... وفي كل أرض ملحها ، وهذا زمانكم يا ملح البلد ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 951