المطبّعون العرب وقرار بريطانيا بحظر حماس

القرار البريطاني بإدراج الجناح السياسي لحركة حماس على قوائم الإرهاب، يأتي بعد فترة وجيزة فقط من موجة التطبيع العربي غير المسبوقة مع الاحتلال والتي ترافقت بحملة شيطنة ممنهجة للفلسطينيين عموما، وللمقاومة على وجه الخصوص، نفذتها الدول المطبعة، التي تحولت إلى راعية للاحتلال على المستويات الإعلامية والسياسية والدعائية.

لا يُمكن لأي عاقل أن يفصل الأمرين عن بعضهما، ولا يمكن لنا إلا أن نقرأ القرار البريطاني في سياق الموجة العربية التي تعادي المقاومة الفلسطينية وتقوم بتجريمها، وهي موجة تقوم بها الدول نفسها التي كانت متحالفة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وكانت تضغط من أجل تمرير «صفقة القرن» التي تريد تصفية القضية الفلسطينية وإنهاءها بشكل كامل تحقيقاً لمصلحة الإسرائيليين.

وبذلك فإن السبب الرئيس للقرار البريطاني الجديد تجاه حركة حماس، هو وجود تحالف إسرائيلي عربي غير مسبوق، ولهذا التحالف لوبي داخل بريطانيا، يضغط لتجريم حماس، وفي الوقت نفسه يتزامن ذلك مع وجود وزيرة داخلية في لندن صديقة لإسرائيل، وحكومة حليفة لتل أبيب ومنحازة لها، وفي الوقت نفسه أيضا، فإن هذه الحكومة التي يرأسها بوريس جونسون، تتمتع بأغلبية كبيرة ومريحة في البرلمان، تجعلها لا تواجه أي مشاكل أو عوائق عندما تريد تمرير أي قرار أو قانون جديد. ما حدث هو أن الحملة التي تستهدف الجناح السياسي لحركة حماس بدأت في بعض الدول العربية قبل بريطانيا، إضافة إلى موجة تطبيع ترافقت بحملة استهداف للفلسطينيين، ومحاولة لتذويب هويتهم، كل هذا شجع أصدقاء إسرائيل في الحكومة البريطانية على اتخاذ هذا القرار.

وما يؤكد أن اللوبي العربي الصهيوني لعب دوراً في تشجيع الحكومة البريطانية ودفعها نحو توسيع تجريم حركة حماس، هو أنه بمجرد إعلان اعتزام وزيرة الداخلية بريتي باتيل اتخاذ هذا القرار، سارع العديد من وسائل الإعلام التي تبث من دول التطبيع، إلى نشر تقارير ومعلومات تتعلق بأنشطة مزعومة لحركة حماس على الأراضي البريطانية، وهي تقارير من الواضح أنها تهدف إلى التحريض على الجالية العربية والفلسطينية، واستغلال هذا التطور من أجل التحريض على بعض المعارضين العرب، من خلال المسارعة باتهامهم أن لهم علاقة بحركة حماس، لا بل ذهبت بعض وسائل الإعلام المطبعة إلى اتهام مؤسسات إعلامية عربية تعمل في لندن بأنها تروج لأفكار حركة حماس. ومن المهم جداً التذكير بأن بعض الوثائق ورسائل البريد الإلكتروني، التي تسربت قبل سنوات قليلة كشفت أن مئات الملايين من الدولارات تدفعها السفارات العربية في واشنطن والعواصم الكبرى، من أجل تمويل اللوبي الصهيوني، أو شركات علاقات عامة مقربة منه، وتهدف هذه الأموال لمحاربة قضايانا، بدلاً من نصرتها، وتمويل أعدائنا بدلاً من تمويل حلفائنا.

ما يحدث حالياً أن الفلسطينيين يدفعون ثمن الموجة الجديدة للارتماء العربي في الحضن الصهيوني

القرار البريطاني بحظر حركة حماس ليس ذا أهمية كبيرة ولا ذا تأثير في مسار الحركة، ولا في النضال المستمر للشعب الفلسطيني، ذلك أن ثمة قرارا مماثلا وقديما اتخذه الاتحاد الأوروبي الذي كانت بريطانيا حتى شهور قليلة مضت جزءاً منه، إضافة الى قرارات مماثلة أيضا في كل من الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول العربية. لكن المهم هنا هو دلالات هذا القرار ونجاح الاحتلال في تحقيق انتصار جديد وبدعم عربي على الساحة الدولية. ما يحدث حالياً هو أن الفلسطينيين يدفعون ثمن الموجة الجديدة للارتماء العربي في الحضن الصهيوني، وأسوأ ما في هذه الموجة هو أنها جعلت من بعض الدول وكلاء للاحتلال الاسرائيلي في العالم، ووكلاء له في جمع المعلومات وتحريض الدول الكبرى، وتبرير الحملات التي تستهدف الفلسطينيين وقواهم السياسية، وكل هذا لمصلحة الاحتلال ولتوسيع دائرة النفوذ الاسرائيلي في المنطقة والعالم. التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي وتجريم حركة حماس في العالم العربي شجع ويشجع على استهداف الفلسطينيين أينما كانوا في العالم، بما في ذلك تشجيع الاحتلال على ارتكاب مزيد من الانتهاكات في الضفة الغربية وقطاع غزة.

والخلاصة هي أن موجة التطبيع الجديدة مع الاحتلال ليست تطبيعاً، ولا هي اتفاقات تسوية، وإنما هي عقود توكيل حصلت عليها بعض الأنظمة العربية من الاحتلال الإسرائيلي، للقيام بمهام أمنية وسياسية وتمويل اللوبيات الصهيونية في عواصم صنع القرار العالمية، فيما يدفع الفلسطينيون ثمن هذا التطبيع، وسوف يدفعون المزيد إذا استمرت الأوضاع على حالها.

وسوم: العدد 956