وقعة أبو تريكة … و«اللي بالي بالك»!

لم يكن بيان «بي إن سبورتس» في موقعة «أبو تريكة» موفقاً، ولهذا ساهم في هذا الحشد الواسع تأييداً لموقفه، لأن كثيرين اعتبروا البيان، يعني أن القناة ستنهي تعاقدها معه، واستغله خصومها الذين هم خصوم قطر بالأساس، في اعادة اذاعته تحت عناوين زاعقة، عن أن المحطة «تدعم» و«تناصر» المثليين، على النحو الذي جاء في بعض المواقع الإلكترونية، وردده الذباب الإلكتروني في تعليقاته!

البيان قال إن القناة بعيدة كل البعد عن تصريحات أبو تريكة، وهو أمر طبيعي، فكما لا توجد أي صحيفة مسؤولة عن كل ما يكتبه كتابها، فليس كل قناة مسؤولة عن كل ما يقوله المحللون عبر شاشتها، وإلا كانت مسؤولة عن الشيء ونقيضه عندما تتعارض وجهات النظر، بين محللين ينتسبون للقناة نفسها، في قضية واحدة، ولو أن إدارة «بي إن سبورتس» تمهلت قليلاً، والتقطت أنفاسها، لما تورطت في بيان قد يفهم منه بمفهوم المخالفة أنه تأييد لما وجه لهم محمد أبو تريكة سهامه، ولتأكد لهم أن الوجه المشرق للقناة، مثله المذيع «محمد الكواري» الذي كان بإمكانه أن يقاطع أبو تريكة، باعتباره خرج عن الاختصاص الوظيفي كمحلل رياضي، وليس ضيفاً على «الاتجاه المعاكس» في حلقة عن «اللي بالي بالك» إلا أنه لم يفعل، ولو فعل لكان محلاً للهجوم، لكنه التزم بالحياد الإيجابي للمذيع، ولا يمكن لأحد أن يطلب منه مخالفة قواعد المهنة، بالمقاطعة، وتغيير مجرى الحديث!

بيد أن القوم، ولأنهم من أهل الرياضة الذين لم يمروا بهذا النوع من المعارك، وجدوا حملة الإبادة الإعلامية، في الإعلام الأجنبي، فظنوا أنها الحرب، وقالوا إنا لمدركون، ومن ثم بادروا برفع الراية البيضاء، إيثاراً للسلامة، وهي حملة إرهاب تفتقد للمهنية، عندما يتم تحميل القناة مسؤولية ما قاله محلل لديها، كما أنها تتسم بالتعالي غير المبرر، عندما يتهمنا الغرب بالعنصرية، ضد «اللي بالي بالك» فيمارس علينا هذه العنصرية لأننا لا نسايره في ثقافته، ولا نؤمن بمعتقداته، على أساس أن من حقه أن يحدد لنا ما يجوز وما لا يجوز، فمن قال إن العنصرية في أن أرفض «اللي بالي بالك» وليس من العنصرية معاقبتي لأنني لا أؤيد «اللي بالي بالك» والذين لم يحسم الغرب نفسه الموقف منهم، ولو حسمه لما كان هناك مبرر لرفع شاراتهم والتأكيد على حقوقهم، بيد أن القوم يرون العالم العربي هو «الجدار المائل» الذي يمكن ابتزازه، وإجباره على الإيمان بأمور ضد ثقافته، بل وضد معتقداته، التي هي معتقدات أهل الأديان جميعاً!

ولأن البيان المرتجف تم تحميله أكثر مما يحتمل، ورأي الناس أن القطريين سيتخلصون من «أبو تريكة» بسبب هذا الموقف، ورضوخاً لحملة الإبادة في الاعلام الغربي، فقد هبوا لنصرته، وكانت مناسبة ليسمع العالم الرفض العربي لـ «اللي بالي بالك» فكان هاشتاج «كلنا أبو تريكة» والذي نافسه على المرتبة الأولى، هاشتاج آخر من جنسه هو «قوم لوط» ليضع رد الفعل الغربي الرافض لتصريحات أبو تريكة (والذي امتد إلى قناة « بي إن سبورتس» نفسها، في حملة ابتزاز واسعة) الغرب حيث لا يجوز أن يضع نفسه، فهذا الغرب الذي يتجاهل قضايا سجناء الرأي، والقتل البطيء في السجون، والإعدامات، وقمع الصحافيين، يثور ثورة عارمة دفاعاً عن حقوق «اللي بالي بالك» فأين هي الحضارة التي تغري بالتبعية؟!

التغطية على الافتتاح الأسطوري:

وقد كان «أيمن جادة» محدداً عندما صاغ ما يدور في الأذهان بطريقة منظمة وهو يتساءل في منشور بصفحته على تويتر: «لماذا لم تحظ محاربة العنصرية، وهي ظاهرة بغيضة ومكافحتها مطلوبة معشار ما تحظى به مسألة دعم المثليين وهي ليست ظاهرة ملحة؟»!

حدود معرفتي بـ»أيمن جادة» أنه مسؤول بقناة «بي إن سبورتس» ولست مطلعاً إن كان لا يزال يشغل المنصب الإداري الكبير، أم لا، لأنه في خانة التعريف بصفحته كتب أنه معلق بالقناة، فإن كانت الأولى فربما هذا التناقض بين البيان والمنشور، مرده إلى أن الأخير كُتب بعد التقاط الأنفاس، فجاء أقرب إلى موقف «محمد الكواري». ولا شك أن موقف «جادة» مهما كان مسماه الوظيفي، إنما يؤكد عدم صحة اتخاذ القناة موقفاً من أبو تريكة، وهو ما شاع مؤخراً وردده إعلام الأعداء، في حملة الإساءة إلى قطر، مالكة القناة، وعندما تطالع أداء الذباب الإلكتروني لدول الحصار سابقاً تدرك أن النفوس ليست صافية، يكفي أن نعلم أنه رغم التقارب المصري التركي، إلا أن القوم تحزموا ورقصوا «عشرة بلدي» للهبوط الكبير لليرة، وكان هذا «هاشتاج» لا تخطئ العين فهم الدوافع وراء صناعته!

لقد بدا واضحاً لكل ذي عينين، ولسان، وشفتين، أن التفسير المتعسف لبيان «بي إن سبورتس» من الجانبين، ليس صحيحاً، فلن يتم التخلص من أبو تريكة بسبب ما قاله في تعليقه على إحدى مباريات الدوري الإنكليزي، وإدانته لما ارتدته الفرق العشرين من إشارات بألوان قوس قزح والتي تشير إلى دعم حقوق «اللي بالي بالك» فالقطريون شاركوا في دعم هاشتاج «كلنا أبو تريكة» تابع ما كتبه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني وما كتبه الزميل جابر الحرمي، يستوي لك الصف!

بيد أن حشد القتال هذا لمناصرة أبو تريكة غطى على الافتتاح الأسطوري لمباريات «كأس العرب» في الدوحة، والذي سحر أعين الناس، دون ابتذال، ودون تشوه، وكان حديث من شاهدوه لليلة كاملة قبل أن تدخل قضية أبو تريكة لتأخذ الاهتمامات بعيداً، وكان ينبغي على القوم في القاهرة أن يعتبروا هذه القضية هي رمية بغير رام، لأنها صرفت اهتمام الناس فلم يصلوا إلى المقارنة بين هذا الافتتاح المبهر، وافتتاح شبيه في القاهرة كان بائساً لدرجة أن البرية احتارت في كيف خرجت كلمة السيسي بهذه الرداءة عبر مكبرات الصوت، لتنقلها القنوات التلفزيونية، فيجلبوا الضحك والدهشة في وقت واحد!

لكن الغرض مرض، كما يقولون، ولأنه كذلك، فقد كان هجومهم على أبو تريكة، فيتهمه مفيد فوزي بأنه محترف شهرة، ويتمدد المالك الصوري لقناة «تن الإماراتية» بالحرارة، ويندفع للهجوم عليه مرتبكاً، فيصف قارون الذي هو في الدرك الأسفل من النار بأنه سيدنا قارون، ومع أنه يسلم بصحة ما قال، إلا في الوقت ذاته يهاجمه لأنه إخوان، والدليل قرار المحكمة الذي اتهمه بذلك، وأيضاً اعتراف النائب الإخواني محسن راضي بذلك بعد الثورة. مع أن من الأسماء التي ذكرها راضي فك الله أسره في مقابلة تلفزيونية زميل لأبو تريكة في «بي إن سبورتس» دائم التردد على مصر، على نحو كاشف بأن المستهدف هو أبو تريكة لذاته، وليس لما قاله محسن راضي من إنه إخوان!

وهذا الاستهداف هو الذي جعل من أبو تريكة منصة لهجوم للأبواق الإعلامية في القاهرة، فلم تكن قد صمتت الأصوات التي هاجمت أبو تريكة بعد انسحابه من الاستوديو التحليلي لـ»بي إن سبورتس» وهم بهذا الهجوم يعززون من قيمته السياسية، مع أنه لم يخرج من نطاق الكرة والملاعب، وقد قرأنا لمن يقولون ولماذا لا يكون بديلاً محتملاً للسيسي، فضلاً عن أنه بالإلحاح على نسبته للإخوان إنما يمدون التنظيم بما يبقيه قيد الحياة، ويثاب المرء رغم أنفه، لكنها الدبة التي قتلت صاحبها وهي تحسب أنها تحسن صنعا.

لا نعرف إن كان «نشأت المذكور» في هذه «الطلعة الجوية» كان يعبر عن ملاك تن، أم عن النظام الذي يسبغ حمايته على تن ومالكها الصوري، لدرجة اختياره عضواً في المجلس الأعلى للإعلام بالمخالفة للقانون، لكن مهما يكن الأمر، فقد دفع بالمشهد في اتجاه تكريس الزعامة السياسية لأبو تريكة، الأمر الذي لا يطرح إلا عندما يهاجمه إعلام الغبراء، ويدفع الأداء الارتجالي له، إلا تمثيل إضافة لمكانة أبو تريكة، ولو كان نظاماً رشيداً لأدرك أن محمد أبو تريكة تحول إلى حالة، لا يجوز التعامل معه بـ «فرش الملاية وردح الولايا» لأن هذا يدشن زعامته السياسية!

محظوظ أبو تريكة بالآخرين؛ من أول بيان «بي إن سبورتس» إلى إعلان مفيد فوزي!

وسوم: العدد 958