هل عودة رفعت هي الفصل النهائي من سيطرة بشار الأسد على سوريا؟

نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا تساءلت فيه عن دوافع قرار رئيس النظام السوري بشار الأسد السماح لعمه رفعت بالعودة إلى سوريا في تشرين الأول/أكتوبر والفرار من أربع سنوات سجن في فرنسا. وأنه لا بد أن يكون مرتبطا بمواقف جماعته العلوية وما ستنظر إليه، ورغبته في الحفاظ على الذات أكثر من كونها حبا لعمه. 

فمن خلال احترامه قانون العشيرة، الذي يقضي بحماية الأقارب، أراد الأسد استرضاء طائفته العلوية التي تضاءل دعمها له وسط الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا. ورغب أيضا أن يسجل هدفا آخر وهو سحق المعارضة داخل عشيرة الأسد. وتمثل عودة العم خطوة أخرى من قبل الأسد لإعادة السيطرة الكاملة على سوريا. 

وتقول فوهرا إنه حتى عام 1984، كان رفعت منسجما جيدا مع شقيقه ووالد بشار الأسد، حافظ، الرئيس السابق الذي أوصل عائلة الأسد إلى السلطة. وكان أكثر جنرالات أخيه ثقة، ويزعم أنه قائده الأول في عام 1982 لتنفيذ مذبحة الإسلاميين السياسيين في حماة حيث قتل الآلاف بشكل بات يطلق على رفعت “جزار حماة”. إلا أن الخلاف بين الرئيس وشقيقه بدأ بعد فترة وجيزة. وبعد عامين فقط، شك حافظ الأسد في أن شقيقه رفعت كان يخطط للإطاحة به. وعندما انكشف رفعت أجبر على الفرار من البلاد. 

وحافظ رفعت وعلى مدى العقود الثلاثة التي عاشها في أوروبا منفيا، على بعض النفوذ في المناطق التي يسيطر عليها العلويون في سوريا. وعارض خلافة بشار الأسد لوالده وادعى أنه المؤهل من الناحية الدستورية لتولي السلطة. 

حافظ رفعت وعلى مدى العقود الثلاثة التي عاشها في أوروبا منفيا، على بعض النفوذ في المناطق التي يسيطر عليها العلويون في سوريا. وعارض خلافة بشار الأسد لوالده وادعى أنه المؤهل من الناحية الدستورية لتولي السلطة 

وعندما اندلعت الحرب الأهلية في عام 2011، شكل رفعت الأسد منظمة معارضة جديدة تسمى “المجلس الوطني الديمقراطي السوري” مكونة من أعضاء ساخطين على حزب البعث السوري، في خطوة بدت وكأنها محاولة لكي يبدو نظيفا في أعين البلد المضيف أو أنها إشارة لروسيا لكي تنظر إليه كبديل عن بشار. 

لكن ماضيه لحق به في العام الماضي وأدانته محكمة في باريس بتهمة اختلاس أموال الدولة السورية وحكمت عليه بالسجن أربع سنوات. 

وبحسب ما ذكرت التقارير، اشترى مزرعة خيول وقصرا، فضلا عن عقارات رئيسية في الأحياء الباريسية الفاخرة، بأموال حصل عليها بطريقة غير مشروعة. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، صادقت المحكمة على القرار. 

وكان رفعت الأسد (84 عاما) يخشى أن يقضي سنواته الأخيرة محبوسا في زنزانة، وقرر تجاوز كبريائه، وتقبيل خاتم ابن أخيه الذي عارضه طوال هذه السنوات، والعودة إلى سوريا. 

ونقلت الكاتبة ما قاله قاله فراس الأسد، أحد أبناء رفعت الأسد، لمجلة” فورين بوليسي” أن والده “مذنب بالتأكيد بارتكاب تلك الجرائم في فرنسا” وغيرها الكثير في سوريا. و”أرسل الكثير من الأبرياء إلى السجن” وكان يعرف في ذلك الوقت بـ “أكثر الشخصيات وحشية في النظام السوري”. وأضاف فراس الأسد أن بشار الأسد سمح لوالده بالعودة لمنعه من كشف الأسرار المظلمة لنظام الأسد، وهو النفوذ الوحيد المتبقي لرفعت الأسد على الأرجح. 

وأضاف “لم يكن لدى بشار خيار، فإذا تحدث رفعت الأسد عما حدث في سوريا بين عامي 1970 و1984، وهي الفترة التي كان خلالها ثاني أقوى شخص في البلاد، فسيشكل ذلك نهاية تطلع النظام لتطبيع العلاقات مع الغرب”. 

وأضافت أنه لم يسمح لرفعت الأسد بالعودة إلى سوريا إلا بعد أن أقسم بالولاء لابن أخيه ووعده بعدم المشاركة في أي نشاط سياسي أو اجتماعي. 

ونقلت المجلة أيضا عن ريبال الأسد، وهو ابن آخر لرفعت ويعيش في إسبانيا دفاعه عن والده وادعى أنه لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة. وقال: “إذا قال بشار إن والدي هو قوة مستهلكة، فلماذا يطلب منه عدم الانخراط في السياسة؟ فهذا يعني أنه يعرف أن والدي لا يزال لديه عدد كبير من المؤيدين في سوريا”. وتعلق الكاتبة أن المحادثات العديدة مع ريبال طوال السنوات كشفت عن طموحه السياسي. ويبدو أنه يميل إلى المطالبة بإرث والده في سوريا والاستفادة من اسمه بين العلويين. لكن في سوريا بشار الأسد، لا مكان لأي نوع من المعارضة، ولا حتى من أحد أفراد الأسرة. 

ففي عام 2019، اندلع شجار عام بين الرئيس وابن خاله رامي مخلوف، رجل الأعمال. وكان الأخير يسيطر على نصف الاقتصاد السوري ويمتلك ميليشيا خاصة ومنظمة خيرية استخدمها للحفاظ على قاعدة دعمه وتنميتها بين العلويين. وعمل مخلوف لأكثر من عقدين لدى بشار الأسد كما عمل والده مع حافظ الأسد. ولكن مع انهيار اقتصاد البلاد في مرحلة ما بعد الحرب وتزايد السخط بين العلويين، استولت دولة مفلسة على أصول مخلوف، بما في ذلك شركة الاتصالات العملاقة سيرياتل. وكان ينظر إلى زوجة الرئيس، أسماء الأسد، على أنها المنسقة لخطة تهميش مخلوف واغتصاب سلطته. 

وترى الكاتبة أن القوة السياسية والاقتصادية في سوريا الآن تقع في منزل بشار وأسماء الأسد، اللذين ينويان توريث كل ذلك لأبنائهما الثلاثة. 

وبحسب جوشوا لانديس، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما والمتزوج من سورية علوية من اللاذقية، معقل الأسد، فإنه لم يبق أحد ليتحدى رئيس النظام السوري. وقال: “لقد حرم رامي من كل قوته ومعظم أصوله، باستثناء، على الأرجح، بعض الملايين التي كان خبأها في شركات وهمية في الخارج.. لم نسمع تغريدة منه منذ أكثر من عام.. لا أحد يتوقع اليوم قوة قوية بما يكفي لإخراج بشار الأسد من السلطة، لا داخل المعارضة السورية المنقسمة وليس داخل المجتمع العلوي أو الجيش. يبدو أنه هنا ليبقى”. 

وترى الكاتبة أن بشار الأسد في صعود ولا يرى من ينافسه. ففي تشرين الأول/ أكتوبر، تبددت الآمال في التوصل إلى أي حل وسط مع المعارضة السياسية ومشاركتها في السياسة السورية، حيث لم يتم تحقيق اختراق في المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة. وجلس ممثلو حكومة الأسد والمعارضة السياسية والمجتمع المدني للمرة السادسة لصياغة دستور جديد، لكن لم يتحقق شيء. ووصف مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا غير بيدرسن المحادثات بأنها “خيبة أمل كبيرة”. 

ويقول الخبراء إن بشار الأسد كان يخادع الأمم المتحدة ولم يكن ينوي أبدا إشراك المعارضة في حكم سوريا. ولو كان هناك فرصة في أي وقت لنجاح المحادثات، فقد سقطت في أيار/ مايو، عندما أجريت الانتخابات في سوريا ولم يكن مفاجئا أن عاد بشار الأسد إلى السلطة بنسبة هائلة بلغت 95% من الأصوات. وصفها العالم بأنها خدعة ومضى بينما كان مراقبو سوريا يعلمون أن بشار الأسد وروسيا قاموا بإجراء الانتخابات ليعلنوا موت أي احتمال لتغيير له معنى في سوريا. 

بشار الأسد كان يخادع الأمم المتحدة ولم يكن ينوي أبدا إشراك المعارضة في حكم سوريا. ولو كان هناك فرصة في أي وقت لنجاح المحادثات، فقد سقطت في مايو، عندما أجريت الانتخابات في سوريا 

وتقول إن سياسة المجتمع الدولي بشأن سوريا ظلت تقوم على الضغط من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يدعو إلى دستور جديد يضمن مشاركة المعارضة السياسية والعديد من الإصلاحات السياسية. لكن الخبراء يعتقدون أن هذا القرار مات منذ فترة طويلة وأن هناك حاجة إلى نهج جديد يأخذ بالحسبان تفوق بشار الأسد على أعدائه في الداخل والخارج. 

في وقت قبلت فيه معظم الدول العربية هذا الواقع وتحاول أيضا إقناع أمريكا بتخفيف الضغط على بشار الأسد. وكان العاهل الأردني الملك عبد الله يدعو لهذا وتناول قضيته مع الرئيس الأمريكي جو بايدن. وقد تمكن من الحصول على تخفيف انتقائي من أمريكا للعقوبات المفروضة على الأردن ومصر ولبنان لتبادل الكهرباء والغاز عبر الأراضي السورية. وأرسلت دولة الإمارات وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق للقاء الأسد في أكبر مؤشر حتى الآن على الزخم لإنهاء عزلته الدبلوماسية. 

وتعتقد الكاتبة أن الوقت قد يكون قد حان لكي يقوم المجتمع الدولي بإعادة ضبط توقعاته والتفاوض مع بشار الأسد بطريقة تحقق شيئا ملموسا للشعب السوري. في مقابل تخفيف العقوبات، قد يكون من الممكن ضمان الإفراج عن السجناء السياسيين، وحقوق اللاجئين الذين يرغبون في العودة، والعفو عن أولئك الذين هربوا من التجنيد الإجباري. يجب أن يكون هناك القليل من الشك المتبقي في أن بشار الأسد قد ضمن قبضته على سوريا ومن غير المرجح أن يتركها تفلت في أي وقت قريب. 

وسوم: العدد 958