السفير الأمريكي روبرت فورد : بشار الأسد ينقذنا من خيار رهيب !!

وقوله ينقذنا يعني: ينقذ الأمريكيين ولفيفهم.

والخيار الرهيب: أنتم أيها السوريون الأسوياء الأحرار.

ومضت استراتيجية المجتمع الدولي التي ترعاها الولايات المتحدة، وينفذها أقوام متعددون : روس وإيرانيون وأسديون ةتعد الواوات إلى السبع ولا تبالي..، مضت الاستراتيجية الأمريكية خلال العشرية التي انقضت في سورية الحبيبة على قاعدة: دعوا الجراح تتعمق، دعوا الجراح تتسع، دعوا الجراح تنزف. ثم تطورت في مطلع العشرية الجديدة إلى قاعدة : دعوا الجراح تنتن، دعوا الجراح تتقيح، دعوا الجراح تتعفن..

وعلى هذه القاعدة، قاعدة أن الشعب السوري بكل فئاته عدو للأمريكيين ولفيفهم، وأن الصديق الوحيد لهؤلاء هو بشار الأسد وزمرته، كتب السفير الأمريكي منذ ثلاثة أيام مقاله العجيب المثير "بشار الأسد ينقذنا من خيار رهيب" !!

وأصغيت أنتظر من من بعض المسئولين عن القول في فضائنا العام يخبرنا: ما هو الخيار الرهيب الذي يخافه فورد، ومن هم أربابه من السوريين، فلما اشتد علي زعيق الصمت، كتبت أجيب..

أما الخيار الرهيب الذي يستعيذ منه السفير فورد - أي حكومته- ببشار الأسد، فهو أنتم أيها السوريون الأحرار..أنتم طالبو الكرامة والحقوق. الباحثون عن العدل، الساعون إلى سبل العيش الكريم، والقرار الوطني القويم..

أنتم أيها السوريون الأحرار في المهاجر والمخيمات في السجون والمعتقلات وبقية الخير منكم في دمشق وحمص في اللاذقية وحلب في إدلب ودير الزور والحسكة وحماة وحوران .. أنتم "الخيار الرهيب"، الذي يخافه الأمريكي والروسي والإيراني ومن فوقهم جميعا الصهيوني، ولفيف هؤلاء جميعا، ويعمل كل هؤلاء جاهدين للالتفاف عليكم، لإعادتكم إلى القبضة الوفية لأعدائكم، المجرب وفاؤها على مدى خمسين عاما.

وكتب روبرت فورد مقاله، معبرا عن انزعاجه من حكم محكمة ألمانية فردي، بحق مجرم عارض للسكون، معتبرا أن هذا الحكم - رغم كل ما قد نقول فيه - يخرّب على الولايات المتحدة مشروعها واستراتيجتها ويضعها وجها لوجه في مواجهة خيارها الرهيب في سورية من جديد!! لم تصدق الولايات المتحدة، أنها وصلت إلى 2016 إلا بعد أن ارتجفت طويلا أليتا أوباما وصحبه، حتى تولى عنهم الإيرانيون ثم الروس المهمة الأقذر في تاريخ الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.

ذلك أن الولايات المتحدة عندما شاركت في وضع الاستراتيجية الأبعد  "لتدمير سورية وإبادة أهلها" قد أسندت المهمة إلى بشار الأسد ومناصريه من الروس والإيرانيين، ضامنة لهم، أن لا يواجهوا المحاكم، الدولية، وأن لا يساقوا إلى المحاكم الإنسانية، وأن تضمن لهم الحماية حتى الذماء الأخير..

كانت الوصية الأمريكية الخفية وكل استراتيجيات الأشرار حول العالم خفي : اقتلوا عذبوا شردوا انتهكوا دمروا ، استفرغوا مخزونكم من السارين في المدن السورية لا تلتفتوا كثيرا إلى ما تسمعونه منا، بل انظروا دائما إلى طريقتنا في حمايتكم والذود عنكم. ونحن الكفيلون بأن نحمي طيرانكم وطياريكم، فلا يصل إلى أيدي مقاوميكم صاروخ واحد مضاد، ونظنكم لا تبالون كثيرا بعدد مجنديكم الذين يقتلون...

افعلوا ما نقول لكم، ونحن كفيلون في النهاية بأن نسلكم من كل جرائركم وجرائمكم كما تسل الشعرة من العجين، فنعيد تسويتكم وتنظيفكم وتأهيلكم، وسنوجد لكم معارضين على "شاكلتكم" يخوضون معكم فيما تخوضون حتى تعودون، كما نريدكم وتريدون ...

وجاء الحادث الفردي في المحكمة الألمانية خارج سياق الاستراتيجية الأمريكية، فكان رد الفعل الأمريكي عليه أكثر مما رد الفعل على ستة عشر قرار فيتو روسي، مما اضطر السفير فورد أن يخرج عن صمته، فيرسل التأكيد الذي كان يجب أن يرسله سرا، يرسله جهارا نهارا، فلم يعد في عالم القرار الوطني السوري من يحسب له فورد أو بيدرسون أي حساب..

رسالة التطمين الجهرية هذه المرة صريحة العبارة، واضحة الدلالة، لا لف فيها ولا دوران. يعلنها فورد صريحة واضحة: بشار الأسد هو المنقذ وهو المخلص، ولكنه المخلص الذي لن يرفع هذه المرة كما يقولون على الصليب. بل سيصلب كل أعدائه والخارجين عليه ومنتقديه.

السفير فورد يطمئن بشار الأسد أن الأمريكيين قد نجحوا حتى الآن في إعداد عدتهم وإحكام قبضتهم، وشهود الزور الموقعون على صفقة إباحة الحقوق يتلمظون على الساعة التي يقسمون فيها غموسا مغلظة، في وقت لم يبق لهؤلاء الذين يمثلون "خيار فورد الرهيب" يد ولا لسان. فقد أنهكهم - كما يظن فورد- الجوع، وأضناهم البرد ، وحنت ظهورهم مقولة: يا غريب..

يقولون من هذا الغريب بأرضنا ... أما والمطايا إنني لغريب..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 965