منتهى العسف أن يعتقل إمام مسجد بمصر لمجرد استنكاره انشغال المصلين عن صلاة العشاء

منتهى العسف أن يعتقل إمام مسجد بمصر لمجرد استنكاره انشغال المصلين عن صلاة العشاء بمشاهدة مباراة في كرة القدم

بداية وقبل الخوض في موضوع هذا المقال ،لا بد من الإشارة إلى أننا في زمن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي على  أوسع نطاق ، وبشكل غير مسبوق ، وأنها تنقل من الأخبار الغث والسمين ، والصحيح والزائف ، وهو ما يقتضي التثبت مما تنقله ، وقد صار من اللازم على كل من يستقي الأخبار منها أن يتبيّن ويتثبت حتى لا يشملهحكم الحديث الشريف : " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " . ولهذا على كل من ينقل عنها أخبارا أن يقدم بين يدي نقله بعبارة " على شرط صحة الخبر " تبرئة لذمته ، وتنكبا لتسويق الأراجيف وإصابة قوم بجهالة .

ومن باب التذكير أيضا أن بعض الأخبار يكون بيّن زيفها من خلال وجود مؤشرات تدل على ذلك ، وهي مما لا يلقي إليها الناس بالا ، ولا يعيرونها أهمية . ومعلوم أن الذي يوقع الناس في الحيرة هي الأخبار المتعلقة بدينهم خصوصا إذا كانت تنقل أخبار المساس به بطريقة أو بأخرى ، وهو ما يفرض عليهم التزام فريضة النهي عن المنكر، علما بأنه لا يوجد منكر يستوجب النهي عنه من منكر المساس بالدين .

ولما كان الخبر موضوع هذا المقال على شرط صحته  له صلة بالمساس بالدين ، ويتعلق الأمر بتعسف طال إمام مسجد في مصر نهى عن منكر التخلف عن صلاة العشاء ، والانشغال عنها بمشاهدة مباراة في كرة القدم كان الفريق المصري يخوضها في ملعب بدولة الكامرون حيث تقام منافسات كأس إفريقيا للأمم . ولقد اختار هذا الإمام نهيه عن هذا المنكر بتصوير المسجد من الداخل وهو خال من المصلين باستثناء فرد واحد لعله مؤذن ، بينما كانت المقاهي في جوار المسجد تعج بمشاهدي المباراة ، وقد صاحبت تصويره لهذا المشهد عبارات استنكار مع الحوقلة .

ولقد انتشر هذا الفيديو على نطاق واسع بعدما راج خبر مفاده أن الإمام المعني قد اعتقل بسبب ذلك.  ولئن صح نبأ اعتقاله ، فإن ذلك يعني أن النظام المصري قد بلغ درجة من العسف بهذا الإمام الذي كان من واجبه بحكم مهمته الدينية أن ينكر هذا المنكر بالطريقة التي اختارها ، والتي من شأنها أن توصل رسالته إلى أكبر عدد ممكن من الناس مع استعمال معظمهم اليوم وسائل التواصل الاجتماعي . ولا شك أن أحوال المساجد الأخرى في مصر أو في غيرها من بلاد الإسلام خصوصا  تلك التي لها فرق كروية مشاركة في كأس إفريقيا  لم تكن مخالفة لحال المسجد الذي صوره ذلك الإمام ..

ولا يمكن أن ينكر إلا مكابر أن لعبة كرة القدم في العالم عموما بما في ذلك بلاد المسلمين  قد صارت  هوسا استولى على اهتمام معظم الناس شبابا وشيبا ، ذكورا وإناثا ، وأنه حين تقام بعض المباريات القارية أو العالمية تكاد الشوارع تخلو من المارة ، بينما تعج المقاهي بالمتفرجين ، ومن الأماكن التي يقل روادها في مثل هذه المناسبات بيوت الله عز وجل التي ترتادها القلة القليلة من المصلين خصوصا من بعض كبار السن الذين لا يستهويهم هذا اللهو ، وغيرهم ممن  رحم الله تعالى من الذين لا يشغلهم اللهو عن إقامة الركن الثاني من أركان الإسلام حين ينادى به في بيوت الله عز وجل امتثالا لأمره سبحانه وتعالى.

ومعلوم أن تقديم مشاهدة مباراة في كرة القدم وهي من اللهو على فريضة دينية، يدل قطعا على مدى ما بلغته رقة تدين عند المسلمين في زماننا هذا خصوصا ، وأن الإسلام صار  مستهدفا بشكل غير مسبوق من طرف أعدائه ، ومن طرف أذنابهم في العالم الإسلامي ممن يحسبون على المسلمين، وما هم منهم لأن هواهم وولاءهم لأعدائهم ، وهم ينوبون عنهم في التضييق على الإسلام والمسلمين لصدهم عن دينهم إما  بترغيبهم في كل أشكال اللهو العابثة ، أوترهيبهم إن هم أنكروا ذلك كما حصل مع إمام المسجد في مصر الذي أريد من وراء اعتقاله ترهيب غيره من الأئمة والخطباء والدعاة وغيرهم حتى لا ينبهوا الناس إلى خطورة تقديم اللهو على العبادة كما ذم ذلك الله عز وجل، ونهى عنه في محكم التنزيل ، وجعل ذلك صفة من صفات النفاق .

وأنا أحرر هذا المقال طلع على شاشة الحاسوب خبر مفاده أن شيخا  في بلادنا قد لفظ أنفاسه عندما سجل المنتخب المصري هدف الفوز على منتخبنا يوم أمس ، ولم يؤبه لموته إلا بعد حين ، وكان سبب موته سكتة قلبية كما قيل لعلها كانت مسبوقة بغبن شعر به خصوصا إذا كان من عشّاق هذا النوع من اللهو الذي أصبح آفة هذا العصر . وحين يصل الأمر بالإنسان وهو شيخ كبير حد الانتحار من أجل اللهو وهو على مرمى حجر من حتفه لكبر سنه ،فإن ذلك يعني أن الإسلام عندنا صار غريبا كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الكيد قد اشتد به ، وبلغ مبلغا غير مسبوق ، وهو ما يجب أن يتنبه إليه المسلمون حيثما كانوا ، وأن يعضوا على دينهم بالنواجذ ، وأن يصبروا ويصابروا أمام طغيان فتن كقطع الليل المظلم ، والتي صار فيها الحليم حيرانا .

ولقد كان بإمكان الإمام  في مصر الذي عاين انشغال الناس عن الصلاة المفروضة بالتفرج على مباراة كرة القدم أن يجهر عبر مكبر الصوت الذي يستعمله لدعوة المصلين إلى الصلاة لتنبيه رواد المقاهي المجاورة للمسجد وهو منشغلون باللهو كما يفعل في صلاة الصبح حين ينبه الناس بأن الصلاة خير من النوم عسى أن يحرك ذلك  ضمائرهم اللاهية عن ذكر الله عز وجل وعن الصلاة . وإذا كانت الصلاة خيرا من النوم، وهو مما أحله الله تعالى ، وهو أيضا ضرورة لا مندوحة عنها  ، فأحرى أن تكون خيرا من لهو لا هو ضرورة ، ولا طائل يرجى منه . ومن كان يترك فراشه عند صلاة الصبح ، فلا يعقل ألا يترك مقعده في المقهى وهو يتفرج على مباراة  في كرة القدم  إن كان مسلما حقا.

اللهم تدارك أمة الإسلام بألطافك الخفية ، ولا تكلها إلى المفسدين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون  طرفة عين أو أقل من ذلك . 

وسوم: العدد 966