مذيع «فرانس24» المدجج بالسلاح … وزير سوري في فخّ الخبر المزيّف … وهل قلت «جماليات المخيم» !

هناك فضول شديد لمعرفة انطباعات الزملاء في «فرانس24» ، آخر مكان عمل فيه وزير الزراعة اللبناني عباس حاج حسن كمذيع، عن صوره المتداولة أثناء زيارته سوق الخضار المركزي في بيروت، برفقة حراس مدججين بالسلاح والجعب والنظرات العابسة. هل هذا هو المستقبل الذي يتطلّع إليه إعلامي في استديوهات القناة الفرنسية، أن يظهر كسياسي يمثل أحزاباً طائفية مدججة بالسلاح وموجهة إلى فجل اللبنانيين وبصلهم، خسّهم، وبقدونسهم، فيما الأصابع بادية على الزناد؟!

حاج حسن ظهر برفقة زميله وزير الاقتصاد في قلب السوق وراح يقلّب الخسّ، بل يتمادى إلى قلب الخسّة، ثم يستلّ آلته الحاسبة ليحسب أثرها على مستقبل اللبنانيين. طيب، لكن لماذا السلاح، ولماذا الأصابع على الزناد!

يتابع المرء «فرانس24» منذ انطلاقتها تقريباً، إن كان من ميزة لهذا المذيع، من بين كثيرين ممتازين في القناة، فهي أنه تقريباً «بلا طعمة» ، كان مجرد مذيع بلا أثر، هكذا بدا على الشاشة. لا يصدق كيف يقبل إعلامي مستقل (كما يفترض بأي إعلاميّ) أن يكون ممثلاً لأحزاب طائفية مشهود لها بارتكاب جرائم في غير بلد عربي (ثمة صحف في الغرب تنصّ في عقودها مع الصحافيين على ضرورة امتناع الصحافي أن يكون حتى في جمعية بيئية) وليقبل من ثم أن يكون في الحكومة اللبنانية في غير اختصاصه، حيث الأقرب إلى المنطق أن يأخذ مكان وزير الإعلام لا الزراعة، إن كان الإعلام بحاجة إلى وزارة أصلاً.

في كل مرة كان مذيع «فرانس24» يثبت الانطباع نفسه، يمتدح خبرة وتجربة جورج قرداحي، حتى في عزّ الأزمة الشهيرة التي أشعلها الأخير، يزور دمشق بُعَيْد تسلّمه الوزارة، ومنها يطلق تصريحات مسروقة من دفتر الإنشاء لطالب ابتدائي: «إن القادم إلى دمشق يأتي بقلب مفتوح، فعلى الطريق كانت الثلوج تغمر الطريق، وبياض الثلج يؤكد أن العلاقات اللبنانية – السورية ناصعة وبيضاء كهذا الثلج. وطبعا، هذا الثلج هو دليل الخير، وإن شاء الله الخير كل الخير يحصل في الأيام المقبلة بين سوريا ولبنان، وبين لبنان وكل الدول العربية» كيف لا وهو يرى الضوء من الخاصرة السورية، فلا حياة لهذا البلد، ولا طريق إلى الخليج والأشقاء العرب والعالم إلى منها، حسب مقابلة متلفزة معه.

عندما يسأله مذيع في مقابلة كيف يرضى أن يُستقبَل في حاضنته البعلبكية بالرصاص، تعبيراً عن الفرح، يجيب بدبلوماسية، بأنها طريقتهم في التعبير، فهكذا تقضي الأعراف والتقاليد، وهكذا ستظل الأمور إلى أن تأتي أعراف وتقاليد جديدة! وعلى الأغلب فإن الدبلوماسية هنا تتشاطر في التحايل على الإعلام، لا على مطلقي الرصاص، فمِن الواضح أن انحياز الرجل للتقاليد البعلبكية ثابت ونهائي.

الفضول بات أكبر، بعد جولةٍ على آراء عباس حاج حسن، الزميل الإعلامي السابق، إذ كيف تتخيلون الآن مرور الأخبار بين يديه في غرفة التحرير الفرنسية، خلال العشرية الأخيرة، بأي روح كان الرجل يحرّر الأخبار المتعلقة بالثنائي الشيعي، ودمشقه الناصعة البياض، وأخبار الرصاص في بعلبك؟!

يبدو أن الرجل كان من الخلايا النائمة في القناة الفرنسية، نائمة، لكن مدججة بالسلاح وبالذخيرة، فيما الأيدي على الزناد!

فخ لوزير سوري

تناول برنامج «ترندنغ» على «بي بي سي» فيديو تداوله السوريون أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعرّضوا له بالسخرية. الفيديو هو مقابلة لوزير التموين والتجارة الداخلية السوري يتحدث فيه عن «أزمة أسعار عجيبة في أوروبا، مثل عنّا وأكثر» ، إلى حدّ أن «ألمانيا على طريق تطبيق نظام البطاقة الذكية، كما أرسلت روسيا وفداً إلى دمشق للاستفادة من تجربة البطاقة الذكية وضبط الأسعار» .

نظام البطاقة الذكية اختراع جاء في سنوات الحرب الأخيرة في دمشق، من أجل ضبط توزيع بعض السلع الأساسية.

يستعرض» ترندنغ» غلاء الأسعار في سوريا، وغياب السلع، ودخل المواطن الذي يتراوح بين 20 إلى 40 دولاراً في الشهر، كما يعرض لبعض التغريدات الساخرة المتعلّقة بالموضوع، بل ويذهب إلى التاريخ القريب والبعيد ليثبت أن نظام البطاقة الذكية، ويسميه الكوبونات، ليس جديداً، وليس من اختراع النظام السوري.

لكنه ينسى شيئاً مهماً كان بالإمكان الوصول إليه بقليل من البحث، وهو أن الوزير وقع ضحية خبر مفبرك ساخر حول ألمانيا والبطاقة الذكية، يبدو أنه استُوحي من أزمة السلع الأخيرة إثر الغزو الروسي لأوكرانيا.

افتقاد المعلومات، أو تزييفها، لا يجعل الناس متوحشين وحسب، بل يحوّلهم ببساطة إلى بلهاء، كما هو واضح في فيديو الوزير السوري.

جماليات المخيم!

نقع على برنامج مسابقات رمضاني يدور في المخيمات الفلسطينية في سوريا. يتقافز المذيع، المراسل الميداني، بين أزقة المخيم مثل فراشة سعيدة، يسأل ويضحك ويتهاضم ويوزع هدايا غامضة في ظروف مغفلة. كل ذلك ليس حدثاً نادراً، ما يجده المرء مستفزاً حديث إحدى الحلقات عن «جماليات المخيم» ، في وقت نرى من ورائه البؤس على أشدّه، أفظع مرات مما شهدنا قبل الثورة والحرب. الضيق، الوجوه الكئيبة واليائسة، الحيطان الرمادية الوسخة، وفوقها صور بشار الأسد، أسلاك الكهرباء العشوائية والخاوية، والأطفال الراكضون أبداً وراء الكاميرا، وراء أمل ما على شكل مغلّف.

أخي، يا ابن المخيم، لا تدع شبعاناً مائعاً، بحذاء وشعر لامعين، يحدّثك عن «جماليات المخيم» ثانيةً، لا تدع شاعراً يحدثك عن الخيام كهوية، والأزقة البائسة كمعبر ضروري إلى فلسطين. تعرف جيداً، خصوصاً بعد أربعة وسبعين عاماً من النكبة، ما عليك فعله حين تسمع خطابات من هذا النوع.

إيهان نفسية الأمة

قال مسؤول إسرائيلي سابق في «الشاباك» ، إثر عملية شارع ديزنغوف في وسط تل أبيب، تعليقاً على التغطية الإعلامية الإسرائيلية لساعات ما بعد العملية «إنّ نقلَ مشاهد الرعب والفوضى يصبّ الماء على طاحونة «الإرهاب الفلسطيني» حسب وصفه، كونه يترك مفاعيل نفسية خطيرة في نفوس المتلقّين، ويضرب المناعة النفسية والحصانة الاجتماعية لدى الكثيرين ممن يشاهدون مثل هذه الصور التي تظهر إسرائيل بصورة ارتباك وخوف وعجز عن تأمين الحماية».

إنها باختصار نظرية «إيهان نفسية الأمة» السلاح الأول لكل الأنظمة المتوحشة. إسرائيل في لحظة الخطر تكشف عن الوجه الحقيقي الأكثر توحشاً، حيث يصبح مجرد نقل حدث على شاشة التلفزيون بمثابة» إرهاب» حتى لو كان التلفزيون والصحافي من عظام الرقبة.

الدولة التي تأسست على مجزرة مستمرة، لم ينته التاريخ من كشفها وتوثيقها جميعاً، لن تتمكن من التمويه والتنكّر إلى الأبد.

وسوم: العدد 976