قصة محمد و”اللايك الإرهابي”.. هذا ما تفعله إسرائيل بأطفال فلسطين

محمد، كثيرون يسمون بهذا الاسم، وقصته واحدة من قصص كثيرة. هو ابن 14، في الصف التاسع في أحد الأحياء في شرقي القدس، نحيف ذو وجهه طفولي. الثلاثاء 8 آذار، الساعة الرابعة والنصف فجراً، كسرت “قوات الأمن” باب البيت الذي تسكن فيه عائلة محمد. سحبوه من سريره ورموه في السيارة بعد أن كبلوه وأعصبوا عينيه. أمروه بالانحناء، تم احتجازه بين اثنين ضرباه طوال الطريق إلى معتقل المسكوبية. أُحضر إلى الغرفة رقم 4، وهناك غطوا رأسه بكيس واحتجزوه لساعات وهو يجلس على ركبتيه. “تكلم”، ضربوه ضربة أسقطته أرضاً. ضربوه على رأسه، وكل أنحاء جسمه. شدوا يديه بالأصفاد إلى الأعلى ووجهوا المكيف نحوه في الطقس البارد جداً. المحقق همس له بأن يعترف، وعندها سيحصل على شهر سجناً. ولكن إذا لم يعترف فسينزلونه إلى “الملجأ”.

كل فلسطيني في القدس سمع عن الغرفة 4 في المسكوبية. المسكوبية التي يتم فيها احتجاز معتقلين فلسطينيين، هي منشأة اعتقال تركية قديمة ورطبة. الجميع يعرفون ما الذي يحدث في “ملجأ الشاباك”. محمد عرف أيضاً. أُرسل أصدقاؤه إلى هناك وأخبروه، قال. ولكنه لم ينكسر ولم يعترف بعمل لم يفعله. لقد فقد الشعور بالوقت. “طلبت ماء”، قال، “عندها ضربوني مرة أخرى ولم يسمحوا لي بالشرب. لم أعترف؛ لأنني لم أفعل شيئاً”. سألته بماذا فكر في حينه. نظر لي باستغراب وقال “خفت”.

عندما أحضر إلى جلسة لتمديد اعتقاله، شاهد والداه بأن بقعة من الدم طبعت على كمامة كورونا التي كان يرتديها. كان وجهه منتفخاً ومضروباً. القاضية شاهدت ذلك أيضاً. “أتعرف شيئاً عن العلامات التي على وجهه ورقبته؟” سألت في بداية الجلسة. “ليس لدي مؤشر”. واصلت القاضية السؤال “هل هناك مخالفة في الملف بأنه قاوم الاعتقال؟”. الجواب: “لا. إذا كانت لديه ادعاءات فيجب أن يتوجه إلى جهة مخولة”. كل هذا مكتوب في محضر الجلسة.

قبل ذلك، في 1 آذار، قتل الجنود الطالب عمار شفيق أبو عفيفة ابن 19 برصاصة في الرأس، وهو الذي كان يتجول مع صديقه في حرج قرب بيت فجار. الأحد 13 آذار، ألقى مستوطنون القبض على ولد عمره 7 سنوات كان يقطف العكوب قرب بير العيد جنوبي الخليل، ضربوه ضرباً مبرحاً احتاج بسببه إلى العلاج في المستشفى. في 15 آذار، أطلق مستعربون النار على نادر هيثم ريان ابن 17 سنة وقتلوه في مخيم بلاطة للاجئين. وفي 16 آذار احتجز جنود 6 أولاد على شارع 60 تحت البؤرة الاستيطانية “جفعات غال”، وقاموا بتوقيفهم على الشارع في البرد الشديد إلى حين تم أخذ الثلاثة الأكبر من بينهم إلى الاعتقال.

حسب بيانات الشرطة، يعتقل في كل شهر نحو 30 – 40 وحتى 50 قاصراً فلسطينياً في أرجاء الضفة وشرقي القدس. معظمهم في “اعتقال ليلي” متعمد، وهو إجراء يتم فيه اقتحام البيوت وأخذهم من السرير في منتصف الليل. جزء من الاعتقالات بتهمة رشق الحجارة وجزء نتيجة شكاوى مستوطنين هدفها تنغيص حياة جيرانهم وطردهم من بيوتهم. في أفضل الحالات، يتم إطلاق سراح الأولاد بدون أي تفسير. على الأغلب، هم يوقعون على صفقة ويتم احتجازهم لأشهر في السجن، لأنهم إذا لم يوقعوا فسيقضون فترة أطول في انتظار المحاكمة.

آلاف القاصرين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. هؤلاء لهم حظ جيد. حسب بيانات المنظمة الدولية للدفاع عن حقوق الطفل – فلسطين – دي.سي.آي.بي، فإن قوات الأمن الإسرائيلية قتلت 78 طفلاً فلسطينياً في غزة والضفة والقدس في العام 2021. منذ العام 2000 وثقت المنظمة قتل 2206 أطفال فلسطينيين. في نهاية 2021 أعلن وزير الدفاع بني غانتس عن هذه المنظمة كمنظمة إرهابية.

جنود إسرائيليون يقتلون في عملية، أطفال فلسطينيون يقتلون خلال عمليات لجهات أمنية. أمهات شرطيات وجنود يقتحمون البيوت كل ليلة ويأخذون منها الأطفال بتهمة رشق الحجارة، و”لايك” لأفلام فيديو قصيرة لمقاومي الاحتلال في أوكرانيا. والشباب الجيدون عندنا يتطوعون لتدريب الأوكرانيين على طرق لمحاربة المحتل الروسي.

ليس دم الفتيان الفلسطينيين هو المشاع، بل حياتهم كلها مشاع. كل مستوطن أزعر مسلح وكل جندية في حرس الحدود متحمسة للإثارة يمكنهم اعتقالهم، ويفعلون ذلك، وأصبح هذا أمراً شائعاً في شرقي القدس. إن أي فتى فلسطيني يذهب إلى بقالة الحي أو إلى المدرسة في البلدة القديمة أو يتنزه في المجمع التجاري في “ماميلا” مع أصدقائه أو يجلس على الدرج على مدخل بيته، يعتبر فتى معرضاً للخطر. في كل لحظة يمكن أن ينقضوا عليه ويضربوه ويأمروه بإبعاد ساقيه عن بعضهما لتفتيش جسده أمام المارين في الشارع، وثم تفتيش هاتفه وجيوبه، إلى أن يأمروه بخلع ملابسه، ثم يوجهون إليه الشتائم والإهانات والضرب، ويصوبون السلاح إلى رأسه بلا خوف، وأحياناً يطلقون النار عليه. أي فتى فلسطيني يعتبر إمكانية كامنة لمقاومة الاحتلال، لذلك دمه مباح.

أتساءل من هم الأشخاص الذين يمكنهم ضرب وتعذيب ولد مكبل وعيناه معصوبتان. ولكنه ليس السؤال الصحيح، بل السؤال هو: من هم هؤلاء الأشخاص الذين يخلقون المعيار الذي يسمح لهم وحتى يشجعهم على ضرب الأطفال؟ من هم المسؤولون عنهم؟ المسؤولون هم قائد مركز “شاليم” في شرقي القدس، نائب المفتش رونين حزوت، قائد منطقة القدس المفتش دورون ترجمان، المفتش العام للشرطة يعقوب شبتاي ووزير الأمن الداخلي عومر بارليف وكل شركائه في الحكومة. أيضاً الأم الغضة ميراف ميخائيلي وحماة حقوق الإنسان من “ميرتس”: تمار زيندبرغ ونيتسان هوروفيتس، وجميع المراسلات والمحللين في الاستوديوهات الذين يتعاطفون مع مقاتلي الحرية واللاجئين من أوكرانيا، لكنهم يسمون المقاومة إرهاباً فلسطينياً.

يكفي مثال صدفي من صفحات هذه الصحيفة في الأسبوع الماضي: كتب يوسي فيرتر: “لقد كان هناك إرهاب في ظل الحكومات كلها”، ويشرح فوراً بأن الإرهاب غير مرتبط بمفاوضات سياسية، وهو أيضاً غير مرتبط بالجمود السياسي وتشكيلة الحكومة. إذاً، بماذا يرتبط؟ لا يرتبط بشيء. “هذه هي حياتنا من الأزل” (“هآرتس”، 1/4). إذاً، الإرهاب نوع من القضاء والقدر، ليس له علاقة بالاحتلال والقمع المتزايد للفلسطينيين من قبل قوات الشرطة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، وليس له علاقة بجهاز القضاء فيها أو بمبعوثيها المستوطنين، زعران التلال ومن يثيرون الشغب العنصريين في الشوارع.

صديقة فلسطينية مقدسية، وهي محامية، قالت لي: “لا أملك أي وسيلة لحماية أولادي. وهذا يجعلني أصاب بالجنون”.

عودة إلى الفتى الذي أطلقت عليه الاسم المستعار محمد. لأن والديه يخافان من الشرطة وبحق. بيته كوخان مظلمان مع نافذة صغيرة، سقف من الصفيح وتسرب للمياه من الجدران، ثمة مستوطن يسكن وراء هذا الجدار. كل عامود وكل جدار ثبتت عليه كاميرات. المستوطن والجمعية التي تقف من ورائه، يريدان طرد العائلة للسيطرة على المكان، يعملون على ذلك منذ سنوات. وقد اعتبروا عائلة محمد الحلقة الضعيفة. فهي فقيرة ومسحوقة، بعض الأبناء فيها معاقون، ومحمد أملها. الولد يتعلم في مدرسة ثانوية ويطمح إلى مواصلة تعلمه ويصبح مهندساً. عندما خرج من الاعتقال تقيأ طوال الليل، شخص الطبيب وجود خلل في السمع والنظر. ولكن الضرر الرئيسي نفسي، يستيقظ ليلاً ويخاف من النوم.

اعتقل محمد للمرة الأولى وهو في سن 13 في تموز 2021 بتهمة إحراق سيارة الجار المستوطن، كان وقت الحادثة، في الأصل، مع والده. استند الاعتقال إلى تشخيص مشكوك فيه في فيلم فيديو غير واضح من قبل شرطي ومن قبل المشتكي، أي المستوطن. حكمت عليه المحكمة بالإقامة الجبرية المفتوحة. وسمح له بالذهاب فقط إلى المدرسة بمرافقة والده. ظل محمد محبوساً في البيت مدة ثمانية أشهر. والدته قالت بأنه وقف يوماً على النافذة ينظر للخارج، ولكنها هي أيضاً (النافذة) حرم منها؛ لأن المستوطن نفسه كان يأتي ويصوره من قريب كل مرة.

في اليوم الأخير في الثمانية أشهر من الإقامة الجبرية في البيت؛ أي 2 آذار 2022، تم إصدار أمر اعتقال جديد ضده، وتم تطبيقه بعد ستة أيام. سأل المحامي عن سبب التأخير، فأجابه ممثل الشرطة بأنه هناك اعتبارات، منها اعتبارات عملياتية. يبدو أن هذا واضح تماماً حتى للشرطة. هكذا حكمت القاضية: في التقرير السري، تم الادعاء بأن المدعى عليه أدين بحادثة إحراق البيت. لم أجد دليلاً على هذا في المواد التي وضعت أمامي. وأشير أيضاً إلى أن الأدلة التي وضعت أمامي (…) ليست من الفترة الأخيرة، بل قبل نصف سنة. سأوضح أيضاً بأنه حسب الوثيقة (…) قيل بأن المدعى عليه معتقل بسبب إحراق سيارة. في هذه الشهادة يبدو أن الحديث جرى عن المخالفة التي أدين بسببها المدعى عليه في السابق. أمرت القاضية بإطلاق سراح محمد مع عقوبة بسيطة، وضع ثلاثة آلاف شيكل وعدد من أيام الإقامة الجبرية وتحويل الملف للتحقيق في قسم التحقيقات مع رجال الشرطة بشأن الادعاءات بالعنف. معروف للجميع كيف يقوم قسم التحقيقات مع رجال الشرطة بمعالجة هذه الملفات. حسب بيانات منظمة “يوجد حكم”، فإن احتمالية أن تبلغ الشكوى التي قدمها فلسطيني حول عنف قوات الأمن ضده والتي ستؤدي إلى تقديم لائحة اتهام، 0.7 في المئة. وبهذا تعتبر الإدانة أمراً مستحيلاً.

الجيش والشرطة و”الشاباك” في إسرائيل يخدمون الأجندة الاستيطانية الآن علناً لتوسيع الاحتلال وتعميقه. تعاون قوات الأمن مع جهات يمينية متطرفة ليس أمراً غير معروف في التاريخ. فإيطاليا مثلاً استغرقها سنوات كثيرة لكشف أن العمليات التي نتج عنها مئات الضحايا وتمت نسبتها لمجموعات يسارية متطرفة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، تم تنفيذها فعلياً على يد نازيين جدد بالتنسيق مع الخدمات السرية الإيطالية وبتشجيع منها، بهدف جذب الرأي العام نحو اليمين ومنع أحزاب اليسار من الوصول إلى السلطة. موجات الإرهاب لا تأتي من البحر، وهي ليست قدراً محتماً. ومن يخربون أمننا هم في أحيان كثيرة المسؤولون عنه.

وسوم: العدد 976