السلطة الفلسطينية عازمة على إنقاذ إسرائيل من الانتفاضة الثالثة

دائما تتأكد صدقية مقولة بن جوريون : " إذا وقعنا في مشكلة ساعدنا العربُ على حلها . " ، وتنفيذا لمقولته استغاثت إسرائيل بالسلطة الفلسطينية وبجهات عربية لإنقاذها من الانتفاضة الثالثة الحالية في الضفة التي توجعها وتقلقها لدور السلاح فيها على قلة المقاتلين ومحدودية هذا السلاح وبساطته ، وهدد مستوطنو الضفة بالإضراب إن لم توقف الحكومة الإسرائيلية عمليات المقاومة التي تهدد حياتهم ، وتفعم نفوسهم بالخوف والقلق أينما تحركوا . وأكثرت الجهات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية الحديث عن وجوب تقوية السلطة الفلسطينية لتحسين قدرتها على أداء وظيفتها في التنسيق الأمني   الذي لا يفيد سوى الإسرائيليين مستوطنين وجنودا ، ويترك الفلسطينيين عزلا أمام بطشهم ودمويتهم . والسلطة بمقتضى اتفاق أوسلو ملزمة بهذا التنسيق الذي هو في حقيقته خدمة للأمن الإسرائيلي ، وهو أحد هدفي إسرائيل من الاتفاق ، والهدف الثاني إراحتها من عبء المسئولية عن حياة الفلسطينيين في الضفة وغزة ، ولعظم هاتين الفائدتين مسبوقتين باعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بشرعية ملكية إسرائيل 78 % من فلسطين ، واعتبار النسبة الصغيرة الباقية متنازعا عليها بين الطرفين تنازعا يحل بمفاوضات بعد خمس سنوات من بدء سريان  تنفيذ الاتفاق ؛ نقول لعظم هاتين الفائدتين وصف شيمون بيريز الاتفاق بأعظم إنجاز لإسرائيل بعد قيامها . ومنذئذ والسلطة الفلسطينية أسيرة قيود التنسيق الأمني الفولاذية الصارمة ، ولم تنفعها تهديدات وقرارات عباس بالتخلي عنه ، وهو دائما على علم بعجزه عن هذا التخلي الذي لا مؤدى له إلا شطبه مع سلطته الصورية وطردهما من الضفة . واكتسب كثيرون من قادة السلطة منافع شخصية وعائلية في ظل هذا التنسيق جعلت محافظتهم عليه محافظة على تلك المنافع ، ولتمضِ قضية الوطن والشعب مع الريح ! وعندما عجز ياسر عرفات عن متابعة التنسيق الأمني لفداحة ما ينزله بالوطن والشعب من خسائر عزلته إسرائيل في المقاطعة في رام الله وقتلته في النهاية تسميما . وفي خطوة من السلطة لإنقاذ إسرائيل من الانتفاضة الحالية ، والتزاما بقيود التنسيق الأمني ، قالت القناة الإسرائيلية الثانية عشرة ؛ إنها ، السلطة ، تفاوض مجموعة " عرين الأسود " من المقاومين في نابلس لشراء أسلحتهم ، وتوظيفهم في أجهزتها الأمنية ، وإنهم رفضوا العرض . النبأ ليس مفاجئا إلا أنه صادم ومؤلم ، وعلى صدمته وإيلامه  هو يبث الشعور بالاعتزاز في نفس كل وطني فلسطيني وعربي بهؤلاء الشبان الذين لا يرون أي أمل لتحرير وطنهم من الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي سوى السلاح الذي لا تحاربهم إسرائيل إلا به . والسلطة الآن تريد منهم أن يكونوا حماة لإسرائيل لا محاربين لها ، وهذا يفضح فضحا كاملا حقيقة  كونها  في خندق إسرائيل لا في خندق شعبها ، وأنه لن يستر عورتها كثرة بياناتها عن تجاوز إسرائيل كل الخطوط الحمراء في قتل أبناء هذا الشعب وسرقة أرضه  وهدم بيوته ومرافق حياته . إنها الآن أمام قرار مصيري يلزمها بالتخلي عن التنسيق الأمني مع عدو شعبها ، والتخلي عن كل اتفاق أوسلو ، وطرح القضية الفلسطينية بصفتها  قضية تحرر وطني  من احتلال استيطاني إحلالي يريد البلاد خالصة من أهلها الشرعيين ، ولم يعد للسلطة أي حجة وطنية في التمسك بأوسلو ، فإسرائيل لم تترك لها حتى الوهم باحتمال أي حل سياسي يمنح الشعب الفلسطيني شيئا من حقوقه الوطنية التي لا تعترف بها إدراكا منها  أن هذا الاعتراف ينافي الأساس الذي قامت عليه ، وهو أن فلسطين وطن اليهود لا الفلسطينيين . خرافة كبرى باطلة ؟! أجل ، لكنها تنطلق من إصرار عنيد على تحويل الخرافة إلى واقع . والسلطة ما لم تسِر في طريق شعبها فسينبذها ، وصورتها الحالية لديه في الحضيض الأسفل ، وهي تعلم هذا علم اليقين المبين . وفي القمة العربية المقتربة تنوي الجزائر محاولة إعادة القضية الفلسطينية إلى مركزيتها القديمة ، وهذه سانحة لتستثمرها منظمة التحرير في التنفس من طوق أوسلو الخانق حول رقبتها . صحيح أننا لا نثق في القمم العربية لانعدام ثقتنا في الأنظمة العربية ، وأن الأمل فيها يعادل في استحالته اجتناء العنب من الشوك إنما المؤتمر المقبل في نوفمبر مجال لصرخة ألم عالية مما انتهت إليه الحال بعد 29 عاما من بؤس أوسلو وشؤمها ، ونعلم  أن عباس نال تمديد رئاسته التي انتهت في 2009 من جامعة الدول العربية التي تنعقد القمة باسمها رغم  أن ذلك التمديد لا قانونية له ، وعباس كان سيبقى في رئاسته دونه ، وقَبِله " زيادة بياع " .

وسوم: العدد 1000