«إسراء».. صاحبة الريشة الحرة.. مقيدة اليدين

 الإسكندرية- الأناضول

بريشة رسم حرة ممتلئة بالألوان، حملت إسراء ذات الـ19 ربيعا، تفاؤلا في أولى خطاها العلمية، حيث مزجت بين تلك الموهبة التي منحها الله إياها والدراسة الأكاديمية عندما قررت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة، بجامعة الإسكندرية، فيما كان يحمل غيرها هراوة ويستعد للقبض عليها ضمن "حرائر الإسكندرية".

وتسمية "حرائر الإسكندرية"، أطلقها مصريون تعاطفوا مع قضية 21 فتاة من مؤيدات مرسي، المحكوم على 14 فتاة منهن يوم 27 نوفمبر الماضي بالسجن لمدة 11 عاما وشهر واحد، وإيداع سبع فتيات أخريات دور الرعاية الاجتماعية، لكونهن أقل من السن القانونية (18 عاما).

إسراء جمال، حكاية لإحدى الفتيات التي قبضن عليهن وتم الحكم عليها بـ11 عاما لتخطو باتجاه باب الزنزانة بدلاً من بوابة الجامعة، حيث خرجت الفتاة على غير عادتها في ساعة مبكرة تحمل ملف الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لكنها فضلت أن تشارك في المظاهرة أولاً وبعدها تذهب إلى حيث أخبرت والديها، لكنها كانت على موعد مع هراوات قوات الأمن التي قامت بالقبض عليها وهي تقف على جنبات شاطئ ستانلي بمدينة الاسكندرية ترفع شعارة رابعة وتهتف ضد "حكم العسكر".

وشعار رابعة بالنسبة لإسراء لم يكن رمزا أعقب فض قوات الأمن لاعتصام ميدان رابعة، لكنها كانت بمثابة "حقيقة" جسدتها إسراء قبل فض الاعتصام بيومين (12 آب)، حسبما يقول خالد جمال، أخ إسراء، الذي يوضح للأناضول قائلا: "عندما كثر الحديث عن فض اعتصام رابعة فاجأتني إسراء، قبل الفض بيومين برسمة تحمل الأصابع الأربعة، في إشارة لرابعة، ويتخلل الأصابع علم مصر، فيما تنزف الأصابع دماء توقعتها إسراء، وإلى جانبها عبارة "يقين بنصر الله".

ذلك اليقين الذي دفع والدة إسراء التي تُدعى آمال، للحديث بصوت تملأه ثقة كبيرة في مصير ابنتها قائلة "ابنتي البكرية (أول مولود) هادئة، لا تعرف الشقاوة، تحمل روحا طيبة، تفضي وقت فراغها بين الرسم والشعر، تلك هي ابنتي، وستظل هكذا مهما قالوا عنها، ابنتي لا تعرف كيف تمسك سكينا من الأساس فكيف ستمسك بالسلاح".

تتابع السيدة آمال بثبات غير معتاد لمن هن في حالها: "صحيح أنني لا أتخيل أن تبات ليلها بعيدا عني، لكني أشعر بيدها تربت على كتفي وتخبرني ألا نصر الله قريب يا أمي، مثلما كانت دائماً تقول لي ولأخوتها".

وتحمل رسوم إسراء ما يعبر عن شخصيتها، ومن بين تلك الرسوم "وجوه كارتونية"، وأخرى لـ"عصافير" تحمل ألوانا مبهجة انتقلت بينها إسراء بريشة طفلة لم تلتحق بالجامعة بعد، ورسوم أخرى لها وهي تتسلم شهادة تخرجها من الثانوية العامة كما كانت تنتظر، فيما احتوت كثير من رسوماتها على مشاهد من ثورة 25 يناير 2011.

وتفاعلت إسراء قبل نزولها للمظاهرة بساعات وكان آخر ما كتبته عبر صفحتها على موقع الفيسبوك: "حركة 7 الصبح .. محدش ينام (لا تناموا)، غدا يوم عالمي".

والدة إسراء، تروي كيف خرجت إسراء ذلك اليوم، تتذكر: "كنت أعرف أنها تخرج للمظاهرات بعد الظهر، لكنها لم تخبرني ذلك اليوم بمظاهرة الصباح، ولا أعرف كيف يقبضون على فتاة في مقتبل العمر، لم تفعل شيئا عدا أنها أرادت أن تدافع عن حقها وحقنا في بقاء الرئيس الذي انتخبناه".

تتابع الأم بابتسامة تتذكر فيها كيف كبرت ابنتها سريعا: "كانت أول مرة تنتخب فيها، وكانت سعيدة جدا، وقفنا وقتها خمس ساعات بسبب طول الطابور لكنها كانت الأكثر حماسا بيننا، كانت تشعر أن صوتها الانتخابي دليل على أنها "كبرت خلاص".. بعد الانقلاب شعرت أنهم سرقوها.. وسرقونا.. سرقوا صوتها".

وبألم واضح، تتذكر الأم كيف كانت ابنتها ذات الخمار الأبيض تؤازر أخيها في دراسته وكيف دفعت به للالتحاق بكلية الهندسة، حيث أرادت أن يحقق لوالديها ما لم تحققه هي، فرغبتها في كلية الفنون الجميلة كانت أكبر من كل شيء، لكن يبدو أنها لم تكن أكبر من حدود السجن على حد قوله خالد.

لكن قضبان السجن الحديدية، لم تدفع بالأسرة الصغيرة أن تقبل بما تردد عن طلب "العفو الرئاسي" عن ابنتها الوحيدة، فوالدة إسراء تفسّر ذلك بقولها: "أكيد أنا أم وأريد ابنتي اليوم قبل الغد لكن العفو يكون لمن أجرم، وبناتنا لم يجرموا، فلماذا أنتتظر العفو عنها؟ ابنتي بريئة والعفو هذا بمثابة تثبيت لتهمة لم ترتكبها.. وإذا ما استحقت أن تعين مدرسة بالجامعة بعد الأربع سنوات كيف سيقبلون بصحيفتها الجنائية ومكتوب بها عفو رئاسي؟". يقاطع خالد والدته: "أختي عندما سمعت الحكم عليها بــــ11 عاما وشهر من مدير السجن، ضحكت، لأنها تعرف أنها مظلومة، قالت لأمي أثناء زيارتها لها هذه منحة (إلهية) يا أمي، وليست محنة ... إسراء نفسها لم تكن لتقبل بهذا العفو".

وأثارت قضية "فتيات الإسكتدرية" انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوقية دولية ومحلية، وسط مطالب من قوى سياسية وحقوقية للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور بإصدار عفو رئاسي عنهن.