المخدرات رئة الأسد المالية للبقاء في السلطة..

المخدرات رئة الأسد المالية للبقاء في السلطة.. النظام السوري يخطط لإشاعة الفوضى داخل الدول العربية باستخدام «الكبتاغون» و2023 عام بدء المكافحة

عندما يتم تجاهل المجتمع الدولي للقوانين الحامية للحقوق والحريات، وعندما تغيب مشروعية محاسبة الأنظمة القمعية بحق شعوبها وتفضيل المصالح عليها، وعندما لا يأخذ القضاء المحلي أو القانون الدولي مجراه، تتجرأ السلطات الحاكمة على ارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات التي لا تستهدف الشعب فحسب، بل شعوب وحكومات الدول المجاورة، ويصل تأثيرها إلى العالم برمته، وهذا ما يحصل اليوم مع النظام السوري وزعيمه بشار الأسد.

فالأسد، الذي يفتك بالسوريين قتلا وتعذيبا واضطهادا، وأغرق دول الجوار السوري بملايين اللاجئين، واستخدم الأسلحة المحرمة الدولية بحقهم، لم ير منذ عام 2011 أي إجراء قانوني دولي رادع لسطوته العسكرية، وهو ما دفعه لإدارة فوضى خلاقة تستهدف عموم المنطقة المحيطة بسوريا، بل وتتجاوز البحار لإفشاء المخدرات بما فيها من كبتاغون ومواد مخدرة سامة مقابل تحصيل الأموال والعملة الصعبة بهدف التنفس والإبقاء على زمام السلطة بيده وبيد الحاشية الموالية والدول الداعمة له.

انتشرت مصانع المخدرات في سوريا، وتحولت الجغرافيا إلى بؤرة تصنيع وتهريب دولية للمخدرات، ومصانع بدأت تُغرق الشعوب العربية بالحبوب وكافة أنواع المخدرات، وحالة من الفوضى بدأت الحكومات الإقليمية وحتى العالمية تتحسس خطورتها والمخططات التي تتم إدارتها من قبل إدارة الأسد وسلطته الأمنية ضد المجتمعات العربية، وهي أخطار تبدو ستكون عنوان افتتاحية العام 2023 لمكافحة مخدرات النظام السوري والجهات العابرة للحدود المستفيدة من حالة الفوضى السياسية في سوريا.

قاب قوسين أو أدنى

مجلس النواب الأمريكي كان قد أقر في شهر كانون الأول/ديسمبر 2022 مشروع قانون يهدف إلى تفكيك وتعطيل إنتاج النظام السوري للمخدرات بما فيها الكبتاغون، ومنع الأسد من نشر فوضى الكبتاغون العابرة للحدود.

كما اعتبر مشروع القرار الأمريكي، أن المخدرات التي ترتبط بالنظام السوري أصبحت «تهديدا أمنيا» عابرا، حيث ستكون محاربة كبتاغون الأسد على جدول الأعمال والمتابعة خلال الفترة المقبلة، بعد توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن على القرار ويدخل حيز التنفيذ.

من جانبه، رحب الائتلاف الوطني السوري المعارض بقانون مواجهة «إتجار الأسد بالكبتاغون» الذي أقره الكونغرس الأمريكي لوقف إنتاج والإتجار بالمخدرات وتفكيك الشبكات التي يديرها النظام في مناطق سيطرته، وينظر بإيجابية لهذه الخطوة من الولايات المتحدة الأمريكية ومدى تأثيرها على الأسد.

وفي هذا الصدد، قال المعارض السوري أيمن عبد النور لـ «القدس العربي» بعد توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن على مشروع القانون الذي أقره الكونغرس، سيكون بعد ذلك قانونا نافذا، يهدف إلى تعطيل وتفكيك إنتاج النظام السوري وتهريب مخدرات الكبتاغون.

ثم ستكون مرحلة الأوامر التنفيذية خلال 6 أشهر، في حالة مشابهة لقانون قيصر، ثم ستكون وكالة مكافحة الإرهاب الأمريكية مع وزارة الخارجية هي الجهات المنوط بها متابعة قضايا مكافحة المخدرات التي يديرها رئيس النظام السوري والشبكات التابعة له، وهي خطوات ستطال مراكز التصنيع والاستيراد وشبكات إدارة التهريب.

كما تم تخصيص مبالغ مالية كبيرة لجمارك الدول التي يستهدفها النظام السوري بالمخدرات والكبتاغون، ومنها المملكة الأردنية وبعض الدول الأوروبية، وإجراء دورات لعدة دول لدعم جهودها في مكافحة مخدرات الأسد وتعزيز قدراتهم على تحجيم عمليات التهريب.

هذه الإجراءات، حسب ما قاله عبد النور لـ «القدس العربي» سينتج عنها إنهاء المداخل والمصادر المالية للنظام السوري، وعند الوصول إلى مرحلة التضييق الشامل على الأسد من خلال مكافحة المخدرات والكبتاغون وتجفيف مصادره المالية، سيكون ونظامه في حالة يرثى لها، ويبقى أمر إسقاطه من عدمه خيارا مطروحا على الطاولة. خاصة مع الصلاحيات التي تمتلكها مكافحة المخدرات الأمريكية للدخول وإجراء تصوير تخوله الحصول على معلومات دقيقة حول أماكن إنتاج المخدرات في سوريا وتتبع شبكات التهريب وكل ما يلزم في هذا الخصوص، بما فيها كيفية تغذية مناطق سيطرة المعارضة السورية شمالي البلاد، أو مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» والطرق التي يتم إدخال المخدرات فيها إلى تركيا أو نقلها بالبحار إلى السعودية أو غيرها من دول الجوار السوري.

مليارات الدولارات

الائتلاف السوري المعارض، أشار إلى اعتماد النظام السوري خلال السنوات السابقة على تجارة المخدرات مصدراً لجني مليارات الدولارات لتفادي العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه ودعم آلته العسكرية التي يقتل بها السوريين، ويشدد على ضرورة إيقاف جميع الموارد المالية للأسد لتحقيق الاستفادة المرجوة من العقوبات.

وصنفت المعارضة «النظام السوري» كنظام إبادة غير شرعي ولا يمثل السوريين، ويعتمد على القتل والإرهاب والمخدرات ويتعاون مع أنظمة قمعية وميليشيات طائفية لقتل السوريين وتهديم مدنهم، لذلك فإن هذا النظام لا يمكن تأهيله أو إبقاءه أو التطبيع معه أو التقارب منه بأي طريقة وتحت أي ذريعة، لأن أي شكل من أشكال الدعم له يعني القبول بجرائمه والمشاركة في تعزيز مأساة السوريين.

من جانبه، قال المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة قاضي لـ «القدس العربي»: تقدر القيمة السوقية لتجارة المخدرات والكبتاغون عموما من 3 إلى 5 مليار دولار داخل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وهذا يشكل للأسد رافدا حقيقيا لكل العمليات العسكرية التي يقودها، وتدعيم اقتصاده من خلال توفير السيولة، وهي ميزانية تخوله تحصيل ضعفي ما تنتهجه سوريا الآن من ناتجها المحلي، لذلك يعتمد الأسد على الكبتاغون بشكل كبير وواضح.

لكن قانون الكبتاغون الأمريكي المحتمل رؤيته النور قريبا، بعد أن تم تمريره في الكونغرس الأمريكي، سيخفف من حجم سوق تجارة المخدرات والسموم التي ينتجها النظام السوري، كونه يحجم من تصديرها للشعوب العربية عبر الأردن، ويعتقد المصدر أن أكبر دولة سوف تستفاد من القانون الأمريكي وتفكيك شبكاتهم هي المملكة الأردنية الهاشمية، كونها ستحمي حدودها عبر أجهزة متطورة وشبكات وتدريبات ومساعدات لوجستية من واشنطن، وهذا سيضغط على الأسد ماليا، ولم يتبق الكثير من مصادر الدخل للنظام السوري، والكبتاغون يشكل مصدر دخل كبير له.

وأضاف القاضي، الأردن اشتكى رسميا للولايات المتحدة الأمريكية من وجود أكثر من 100 شبكة مخدرات على حدوده، وأن هذه الشبكات مسلحة بأسلحة ثقيلة وطائرات مسيرة، وأن هذه الشبكات هي جيش نظامي وليست مجرد مافيات أو عصابات، وربما هذا سينتج عنه إمكانية إغلاق عمان لمعبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا، وغيرها من الإجراءات التي سيكون من شأنها تحجيم انتشار هذه السموم.

وكذلك سيكون الحال على الحدود السورية-العراقية، للحد من انتشار المخدرات والكبتاغون التي ينتجها النظام ويستهدف بها الشعوب الدولية، وخاصة دول الجوار.

رأس التخريب الممنهج

الباحث في العلاقات الدولية محمود إبراهيم يرى أن أهم الأساسيات والتداعيات التي يستند عليها النظام السوري في ملف المخدرات وتنشيط التجارة فيها داخل سوريا تتمحور حول إبقاء الأسد على رأس هرم السلطة في البلاد مهما كانت التكلفة ومهما كانت الطرق المستخدمة لذلك، وبالتالي كلما استمر بقاء النظام الحالي في السلطة سنرى بالمقابل تفشيا أكثر للمخدرات في المنطقة الإقليمية المحيطة بسوريا.

فبشار الأسد هو رأس التخريب الممنهج باستخدام المخدرات، وإذا تواصل وجوده على رأس الدولة السورية، يتآكل وينهار ما بقي من بنية الدولة في البلاد، وستتحول سوريا إلى بؤرة جريمة دولية منظمة، لا يمكن السيطرة عليها ولا ضبطها.

وقال الباحث: «السيطرة على معامل إنتاج المخدرات في سوريا وتقييد التجارة فيها يبدأ حصريا من بوابة إزالة النظام، والتخلص من كل القيادات الأمنية والعسكرية التي أشرفت على فترة وجوده في الحكم» مشيرا إلى تورط قيادات الفرق العسكرية في جيش النظام السوري وقيادات الأفرع الأمنية، ويبقى التسلسل في المسؤولية وصولا إلى صغار الضباط والعناصر الذين يؤمنون حركة السلع السوداء على المعابر الحدودية.

خطة النظام من إنتاج المخدرات ونشرها في الدول المجاورة لسوريا لإغراق دول الإقليم بالمخدرات وحبوب الهلوسة والسيطرة عليها من خلال إشاعة الفوضى، وهي أهداف للنظام على المستويين القريب والمتوسط وحتى البعيد، واعتبر إبراهيم، أن الأسد حقق بعض الأهداف من خلال تجارته بالمخدرات، ولعل ما يحدث في المملكة الأردنية الهاشمية مؤخرا خير دليل على ذلك.

المتحدث، أشار إلى عدم وجود تحرك دولي أو إقليمي أو مؤسساتي أممي حقيقي حتى الساعة لمكافحة تجارة المخدرات التي يقودها النظام السوري أو محاسبته، وطالما أن الأسد ونظامه يحظى باعتراف الأمم المتحدة، ويتم التعامل عبر مؤسساتها مع دمشق كأنه جسم شرعي، فإن تجارة المخدرات تنتشر أكثر وتتوسع.

إيران متورطة وكذلك حزب الله

مصدر أمني، فضل حجب اسمه قال لـ «القدس العربي»: النظام السوري يصدر الكبتاغون وأنواع أخرى من المخدرات إلى دول الخليج العربي عبر خطوط إنتاج يديرها بـ «درعا والسويداء» جنوبي سوريا، ومن ثم ينقلها عبر الأراضي الأردنية.

مشيرا إلى أن المواد الأولية في صناعة المخدرات، وخاصة «الكريستال» يتم إدخالها من إيران إلى سوريا بطرق غير علنية، أو باستخدام الطرق العسكرية، وأن مجموعات خاصة من ميليشيا حزب الله تنشط في عمليات قيادة نقل المخدرات وتصنيعها وتمريرها عبر الحدود الدولية للدول الإقليمية مع سوريا، في حين أن مستودعات التخزين تنتشر في الجنوب السوري والعاصمة دمشق، بالإضافة إلى مناطق خاصة في الساحل السوري.

الائتلاف السوري المعارض عبر عضو الهيئة السياسية فيه عبد الباسط عبد اللطيف قال: النظام وميليشيات حزب الله، لم تقتصر على محاربة الشعب السوري ووأد ثورته فقط، إنما يستمران في تصنيع ونشر وتوزيع المواد المخدرة في الجنوب السوري وإلى باقي دول العالم.

وقال عبد اللطيف إن النظام الذي دمر اقتصاد البلد مع ميليشياته المستقدمة من الخارج لمحاربة طلاب الحرية، غدا مصنِّعاً ومصدِّراً رئيسياً للحبوب المخدرة إلى الدول المجاورة والعالم، مضيفاً أن النظام بات يعتمد على تجارة المخدرات للالتفاف على العقوبات وتمويل آلته العسكرية.

الجنوب السوري

معقل الكبتاغون

يعد الجنوب السوري، إحدى أكبر المحافظات السوري التي يعتمد عليها النظام السوري إيران وميليشيا حزب الله لتصنيع وتهريب المخدرات نحو دول الجوار السوري وإلى أبعد من ذلك.

ووفق المتحدث باسم تجمع أحرار حوران أيمن أبو نقطة، فهناك ما لا يقل عن 11 مصنعا لإنتاج حبوب الكبتاغون في الجنوب السوري، وهي مصانع تتمتع بإنتاجية كبيرة يصل إنتاج كل واحد منها إلى أكثر من 10 آلاف حبة شهرياً، وتتوزع في مناطق مختلفة من المحافظة.

بالإضافة لهذه المصانع، فهناك مكابس يتم العمل عليها داخل محال تجارية أو داخل بعض المنازل، ويصل عددها إلى 80 معملاً صغيراً تم إنشاء معظمها في الآونة الأخيرة، وتشير المعلومات إلى أن عددها آخذ بالازدياد بدعم من ميليشيا حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة.

وقال أبو نقطة لـ «القدس العربي» هناك أنواع مختلفة من المخدرات التي يتم تصنيعها في الجنوب السوري «درعا والسويداء» قسم كبير منها يتم تصنيعه من مواد رديئة وسامة ورخيصة الثمن ومتوفرة معظمها محليا، ويتم استخدام الحبوب والحشيش الناتج عنها للتمويه من أجل إدخال المواد المخدرة جيدة الصنع والمكونة من المواد «النظيفة» والتي تعد أقل خطرا، ولكنها أكثر تأثيرا على متعاطيها من الناحية النفسية والعقلية.

كما أن هناك كميات كبيرة من الحبوب المخدرة التي يتم تصنيعها في لبنان وريف حمص والساحل السوري يتم نقلها إلى المنطقة الجنوبية لتهريبها.

وتتنوع أنواع المخدرات التي تقوم الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة بتصنيعها وتهريبها إلى الأردن عبر وكلائهم، فهناك مواد يتم جلبها من إيران بشكل مباشر عبر العراق وهي مصنعة وجاهزة للتهريب والاستعمال، أبرزها الكريستال والكوكائين الحجري والهيروين.

واختتم المتحدث حديثه بالقول: لا يمكن بأي حال لروسيا أن تمنع تهريب أو تصنيع المخدرات في درعا والمنطقة الجنوبية، وروسيا في الأصل هي من فتحت الباب على مصراعيه لدخول الميليشيات الإيرانية إلى الجنوب، وهي التي سمحت لها بالحلول مكانها في المناطق التي انسحبت منها بعد تورطها في غزو أوكرانيا وهذا ما يدعو للقول إن الدوريات الروسية هي لذر الرماد في العيون.

وسوم: العدد 1012