ومن أساليب الذكرى توظيف المناسبات... ارتدادات حول تذكيري بالأمس بدخول فصل الشتاء !!

وأحدثت تذكرتي بالأمس بدخول فصل الشتاء، وتهنئتي به، وتذكرتي بما ذكّر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، من أنه ربيع المؤمن، ثم تذكيري بحال أهلنا إخواننا وأخواتنا وأطفالنا في الخيام؛ ارتدادات غلب عليها النُّكر، فكأنني قلت منكرا، أو شهدت زورا، أو دعوت إلى انحراف والعياذ بالله...

إخوة شرعيون عديدون، أرسلوا إليّ يتهمون الحديث الذي رويت، وأدرت تهنئتي عليه، أحدهم قال: ليس بالحديث المرفوع، وإنما هو من الكلام المأثور. وآخر نسب للزين العراقي أنه قال فيه: لا أصل له !!!!!، وثالث رآني في علم الحديث قليل البضاعة وكأنه يقول لي: ليس بعشكِ فادرجي!! ورابع زعم أن من حقي أن أقول في الأدب ما شئت، وان أتقي الله أن أتقول على رسول الله!! ما أجمل ما يوصي به!!

ومع تحيتي وتقديري لكل من كتب إليّ مباشرة لأن بيني وبينه خط دافئ، أو بالواسطة فإني أقول: إن المورد لحسم الرأي العلمي في الحديث الشريف المذكور لقريب. بل أقرب من القريب، والتأكد من مكانة الحديث أيسر من الكتابة إليّ فيه، وببساطة سريعة، أو بسرعة بالغة تطلب خبر الحديث فيجيبك علماء من الشرق ومن الغرب ومن الغرب ومن الشمال والجنوب..

تخففنا من كتاب "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث" وكم كان عجيبا لنا يوم اقتنيناه!!

ولو حاولت ستجد أن القوم مختلفون في الحديث موضع الحديث "الشتاء ربيع المؤمن طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه" على أقوال بين من قال إنه ضعيف، ومن قال إنه حسن لغيره، ومن قال إنه حسن لذاته. وما أظن الزين العراقي يقول في الحديث "لا أصل له" والحديث في مسند الإمام أحمد. وعند الإمام البيهقي. وقال فيه العجلوني والسخاوي وأكثر فيه أصحاب الصنعة. ما قالوا..

وأنا مع كوني أقر وأعترف أنني لست من أصحاب الصنعة، إلا أنني كنت جليس قوم أطمع في أن يكونوا من الذين لا يشقى جليسهم. وإنما كلما دخل الشتاء أذكرهم وأذكر قول الفرزدق..

وما أصاحب من قوم فأذكرهم .. إلا يزيدهم حبا إليّ همُ

وذلك أنني كنت فتى في السادسة عشرة في حلب حين دخل علينا الشتاء مرة، فوقف الشيخ، رحمه الله تعالى على منبر الخسروية يعلمنا ويذكرنا بالصيام والقيام، وأنا أجلّ الشيخ رحمه الله تعالى أن يخطب على المنبر بحديث لا يُخطب بمثله، ولا يستند إلى حكمه !! ستون عاما على تلك الخطبةـ وما زلت كلما دخل عليّ الشتاء أتذكرها، وأعمل بما ييسر الله عليّ من مقتضاها، ورأيت أن من زكاة علم من علمني، أن أبث ما علمت منه فيسبق هو إلى الأجرين أجر العلم الذي ينتفع به، وأجر ما يكون مثل الصدقة الجارية التي يتداولها من بعده الناس.. هكذا أعتقد كلما تداولت علم عالم، تحفظون معي كلمة الشافعي "الحر من راعى ود لحظة وانتمى إلى من أفاد منه لفظة"

ثم أكثر عليّ بعض الأحباب في المغزى والمعنى والفائدة من التهنئة، وكأن كل ما كتبت كان تهنئة ولم يكن بعضا من ذكرى ..!!

وقد كان الصحابي يقول لأخيه: اجلس يا أخي نؤمن ساعة. نعم وقد تأتيك الموعظة من أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا يؤيه له، وأنت الأجل والأعظم والأكرم وارث علم الأولين والآخرين !!

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوّل أصحابه بالموعظة..

يخطبهم إذا أظلهم رمضان عن رمضان. يحدثهم في ذكرى عاشوراء على صوم عاشوراء، وفي العشر الأواخر من رمضان على التماس ليلة القدر، وإذا نزل الشتاء حدثهم عن ربيعهم فيه، وإذا نزل في المدينة جائعون فقراء ذكرهم بالصدقة، وإذا همّ بالخروج في غزوة حض على الجهاد..

وألف العلامة ابن رجب الحنبلي من أعلام القرن الثامن، وهو حنبلي في ثوب صوفي فلا أجمل ولا أزهى كتابه "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف" ليظل المسلم حاضرا مع ربه، أو مع يلي أمر تربيته، والإشراف عليه في كل ظرف وحين..

يقول الوالد لولده:

يا بُني دخل عليك فصل الشتاء، وليله طويل، لن تضرك نصف ساعة تتهجد بها قبل الفجر، تتذوق بها نعمة القيام...

وتقول الأم لابنتها:

يا بنيتي جربي الصوم في هذا اليوم القصير خفيف الظل، إنه نهار الزيت "أصبحت أمسيت"

يا قومنا...

 وكلما مرّرنا الماءَ الساخن على وجوهنا في السبرات، هل سمعتم بحديث إسباغ الوضوء في السبرات، أو إسباغ الوضوء على المكاره، نتذكر ونذكر والماء الدافئ ينساب على أعضائنا بإخوة وأخوات لنا على الرغم من كل شيء في خيامهم يتوضؤون...

اللهم فرج كروب المكروبين...

وحملوا السلاح عليّ وراحلتي بين الرواحل ظالع...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1012