في عهد الانقلاب.. "الحذاء" يعود الأداة المعتمدة للحكم!

في عهد الانقلاب..

"الحذاء" يعود الأداة المعتمدة للحكم!

سليم عزوز

جهر الانقلابيون بالمعصية، وأثبتوا لكل من له عينين، ولسان، وشفتين، أنهم جاءوا لينقموا من كل من له علاقة بثورة يناير، فهم العدو الحقيقي لكل مكونات ثورتنا، وها هم أولادي المغرر بهم (على رأي الرئيس السادات) يقفون على هذه الحقيقة بعد أن ذهبت السكرة وحلت الفكرة، وهم الذين مثل تحالفهم مع النظام القديم، ممثلاً في العسكر والفلول، غطاء ثورياً للثورة المضادة، التي تجلت يوم 30 يونيو الماضي، وعلى أثرها قام قائد الجند المتمرد عبد الفتاح السيسي، بخلع الرئيس المنتخب!

لا يمكن لمثلي أن يتجاهل الخيط الذي يربط بين كمين رولا خرسا للناشط بحركة السادس من أبريل، بصفع ضابط الشرطة للناشط المقبوض عليه، من مظاهرات مجلس الشورى، احتجاجاً على قانون منع التظاهر. فلم يشفع للناشط استسلامه لمن ألقى القبض عليه، عندما بادر الضابط بصفعه، وسبه، واذا بالصفعة والسباب تنقلان تلفزيونيا للعالم كله، ليقف الجميع على حجم الجريمة التي ارتكبها بعض الثوار عندما وضعوا أيديهم في أيدي بقايا النظام البائد، وعندما تحول دم الفتى جيكا عندهم إلى ماء، ووقفوا في ميدان التحرير جنباً إلى جنب مع وزير الداخلية السابق المتهم في محاضر رسمية بقتل جيكا، في شارع محمد محمود، والذي دخل ميدان التحرير محمولاً على أكتاف لفيف من السادة الضباط وهم يهتفون: ثوار.. أحرار.. سنكمل المشوار!

كان موقفاً لا تخطئ العين دلالته وجاء ليكشف أن الثورة تسرق، وأن من قتلوا الثوار يتخطون الرقاب ليصبحوا قادة الثورة، لكن هناك من غلبت عليهم شقاوتهم، فدفعهم العداء للإخوان، لأن يتنكروا للمبادئ، ويتنكروا لأهداف ثورة هتفت منذ اليوم الأول بسقوط حكم العسكر، وقد نصحهم حمدين صباحي بألا يسأل أحدهم من يقف بجواره ان كان من الفلول؟ فما بينهم وبين الفلول هو مجرد خلاف ثانوي، فالخلاف مع الإخوان هو الخلاف الجذري، ولا نعرف ما هي مشكلته مع الإخوان، حلفائه السابقين، الذين لم يصدقوا مع احد كما صدقوا معه، فتحالفوا معه في دورتين برلمانيتين، ومنعوا مرشحهم من الترشح أمامه، وفي الانتخابات الأولى بعد الثورة، حملوا رجاله على قوائم حزبهم، ليدخلوا البرلمان بفضل هذا التحالف!

الخلاف دب عندما تمكن مرشح الإخوان محمد مرسي من أن يكون في جولة الإعادة مع مرشح النظام القديم الفريق احمد شفيق، فأصاب حمدين ما أصاب ‘أخوة يوسف’، وعندما جرى التبشير بالانقلاب، كان من الداعمين له، ظناً منه ان الفريق السيسي ليس أكثر من قائد ميليشيا، وان دوره في الحياة الدنيا، أن ينحي القوة الاخوانية جانباً، ليمكن حمدين صباحي من حكم البلاد، وعلى أساس أنه يملك مقومات الحكم والتي تتمثل في شعره الطويل الناعم كالحرير، وهي ميزة لا تتوفر للسيسي، بحكم موقعه، فاته أن السيسي شعره ناعم، وعندما يترك ‘الميري’، سيمكنه ان ينافسه في نعومة الشعر، فضلاً عن ان هناك نوعا من الكريم، يمكنه أن يجعل من شعري أنا الخشن في لمعان شعر رأس حمدين صباحي!

الدلال العذري

ظهر حمدين صباحي مع محمود سعد على قناة ‘ النهار’، في لقطة كاشفة عن حجم ‘الدلال العذري’ الذي يحمله كلاهما للفريق السيسي، اذ غنى سعد ورد عليه حمدين قائلاً: أقول له يا سيدي ويا سيسي..’ عاشت الأسامي’، لكن السيسي لم يكن يقوم بانقلابه من اجل أن يأخذ السلطة من محمد مرسي ويسلمها لحمدين، والأقربون أولى بالمعروف، واذ كان الرجل زاهداً في السلطة فأمامه الفريق احمد شفيق المنافس الحقيقي للرئيس محمد مرسي!

السيسي كان معروضاً عليه في أيام مرسي أن يكون رئيساً للوزراء، لكن طمعه في ‘الكرسي الكبير’، بدون توافر المواصفات المطلوبة لشغله، جعلته يقدم على الانقلاب، والذي قال في مقابلة تلفزيونية ان الهدف منه كان التبكير بانتخابات رئاسية، رفضها الرئيس محمد مرسي، وها هي خمسة شهور تمضي، دون أن يلوح في الأفق ما يفيد أن انتخابات رئاسية ستجرى في القريب العاجل.

ما أمكن حصره من مقابلات تلفزيونية للفريق احمد شفيق في عهد الرئيس محمد مرسي أكثر من أربع مقابلات، واحدة أجراها عبد الرحيم علي، والثانية كانت مع مصطفى بكري، والثالثة والرابعة مع أسامة كمال، لكن بعد الانقلاب فرض عليه الصمت، لأنه طيلة الفترة الماضية لم يكن أكثر من أداة ضمن حملة شيطنة الرئيس مرسي للتمهيد للانقلاب، وقالوا ان الإخوان احتشدوا من اجل إسقاطه ونجاح مرسي بالتزوير، وأن محاكمته التي تحول دون عودته الى مصر، تتم بتحريض من مرسي.

لا بأس، مرسي لا يحكم البلاد الآن، فلماذا لا يعيدوا الحق الى أهله، ويتم تنصيب شفيق رئيساً؟ ولماذا لم تصدر الأحكام ببراءته، بعد أن توقف ضغط مرسي على القضاة من اجل إدانته؟!

المسألة وما فيها ان هناك طامع في السلطة اسمه عبد الفتاح السيسي، وقد ظن حمدين أنه يمكنه أن يضعه في جيبه، باعتباره المرشح الذي سيعطي المؤسسة العسكرية الحق في ان تحكم من وراء حجاب، وسيجعل من السيسي الحاكم الفعلي للبلاد، لكن سعادة الفريق يريد أن يكون رئيس جمهورية مصر العربية، لذا فلم يخدعه الحديث العاطفي، الذي كان عبارة عن غناء من المذيع ليرد عليه الضيف: أقول له يا سيدي.. وأقول له يا سيسي، وعندها تمنيت لو دخل عليهما النادل بقدحين من عصير الليمون.. ويدخل عليهما المخرج بكوبليه العندليب: ‘حبيبها لست وحدك حبيبها’.

المجال الجوي للعندليب

محمود سعد من أنصار حمدين صباحي، لذا فان عملية توزيع اللحن الموسيقي الخالد: ‘أقول له يا سيسي وأقول له يا سيدي’، بينهما، عملية مقصودة، لكن تسريبات السيسي، أكدت أنه لم يهضم هذه ‘الأونطة’، وهو محترف مثلهما في المجال الجوي للعندليب، والثلاثة عندما تستمع لهم تتذكر العندليب الأسمر، في الفيلم الشهير، عندما ضحكت عليه فتاة لعوب، ودفعته ليحلق شاربه، لتجعل منه أضحوكة، وعندما علم بهذا، قبل حفل له، تنهد من بين ضلوعه وقال: سأغني، واستمعت الفتاة إليه عبر المذياع والكلمات كاشفة عن حجم االحسرة، وكانت على جمر النار!

لم يبق لقناة ‘النهار’ سوى برنامج محمود سعد، بمواقفه المتأرجحة، يهاجم الانقلاب ويتقرب منه، ومحمود وحمدين بعزفهما المنفرد قررا أن يبيعا الماء في ‘حارة السقايين’.. لكن على من؟!

في واحدة من التسريبات، التي أذاعتها قناة ‘الجزيرة مباشر مصر’، قال السيسي ان حمدين جاء إليه ليقول له اذا ترشح فسوف يقف معه، لكن اذا لم يترشح فانه يطلب مساندته، وبحسب تصريحات السيسي، فانه لم يجبه، ومع هذا خرج حمدين يعلن انه المرشح وأن السيسي تراجع عن الترشيح!

وكان هذا التسريب كاشف عن أن العلاقة لم تعد على ما يرام، فكان هذا مبرراً للتيار الشعبي المؤيد لصباحي أن يعلن انحيازه لمرشحه، لكن حمدين وضعه أكثر تعقيداً من شباب أكثر حرية، وليس المذكور بقادر على أن يدخل معركة مع عسكر، الخيارات في تعاملهم مع الخصوم مفتوحة، فليس السيسي والذين معه برجال دولة، مثل كمال الشاذلي، أو حتى المشير محمد حسين طنطاوي.

ومؤخراً بدا الانقلاب العسكري وقد ضاق ذرعاً بفكرة أن يمثل دور المنحاز لثورة يناير للنهاية، فكان القانون المانع للمظاهرات، مع أنه انقلاب جاء بالمظاهرات، واعتمدها أداة لتأكيد الشرعية والاستيلاء على السلطة والإطاحة بالرئيس المنتخب!

ويدهش غير المتابع للأحداث عندما يشاهد، ضباط وزارة الداخلية وقد عملوا بهمة ونشاط، في التصدي للشباب الذي خرج في مظاهرات الأسبوع الماضي ضد قانون التظاهر، اذ كان واضحاً ان ضباط وزارة الداخلية في حالة انتقام شخصي، تسمح به ظروف الانقلاب المعادي لثورة يناير، والذي قرر الجهر بالمعصية.

أكمنة للنشطاء

في فض اعتصام رابعة، وعندما قال ضباط الجيش ان هذه مهمة وزارة الداخلية، كان قول ضباط الشرطة لن نذهب إلى هناك إلا وهم معنا، اذ كانوا يريدون الانتقام من الجميع، وحتى يتوقف الهتاف الأثير: ‘الجيش والشعب يد واحدة’، حيث كانوا يحسبونه هتافاً موجهاً ضدهم، لكن في مواجهة الشباب الثوري، وجدوها فرصة ذهبية للانتقام الشخصي من ثورة يناير في حماية الجنرال المتمرد، إذ كسروا فيها، وهزموا وولوا الدبر، وظلوا عامين ونصف العام في حالة من انكسار النفوس والعيون، وهي الحالة التي مثلت عائقاً أمام اللجنة المشكلة في عهد الرئيس محمد مرسي لهيكلة وزارة الداخلية، فقد كان أعضاء اللجنة يجدون من حسن المعاملة وطيب القول، ما أنساهم مهمتهم، والآن يضربون كفاً بكف، بعد أن جهر السادة الضباط بالعداوة، وأكدوا صحة مقولة، أن العرق دساس!

ضباط الشرطة الذين عزلوا في عهد الثورة، عادوا الى مواقعهم في زمن الثورة المضادة، وجاءت المظاهرات فرصة للانتقام لأنفسهم، وظلت قناة ‘الجزيرة’ تعيد ليوم كامل صورة الناشط المستسلم لعملية القبض عليه، ومع هذا فان الضابط يصفعه على وجهه، وتلازم هذا مع تحول بعض برامج ‘التوك شو’، على فضائيات الثورة المضادة، الى أكمنة للنشطاء.

لقد شاهدنا كيف لمساعد سابق لوزير الداخلية يهين على الهواء مباشرة ناشطا في بحركة السادس من ابريل، وقد سالت على لسانه صفائح القاذورات، سباً وقذفاً، وقال لي مقدم بأحد البرامج التلفزيونية، المغلقة بقرار من الانقلاب، كيف أن هذا الجنرال كان يأتي ضيفاً الى برنامجه فيتحدث مكسوراً ووديعاً.

لقطة أخرى لبرنامج رولا خرسا، جاء فيها أحد الضباط الكبار السابقين ليدشن مرحلة جديدة، أعادتنا لمرحلة مبارك القديمة، والتي أسقطتها ثورة الشعب المصري في يناير، عندما أكد ان أداة الحكم الجديدة، في التعامل مع المعارضين هي ‘الحذاء’، والحديث موجه للثوار.

رولا واحدة من منكوبي يناير، فقد كان بعلها عبد اللطيف المناوي ‘ قيمة وسيما’ في عهد مبارك، وجاء من خارج التلفزيون المصري متخطياً الرقاب ليكون الأول مكررا مع انس الفقي وزير الإعلام.. وهي الآن تنتقم من النشطاء، انتقاماً منها لمقدرات العائلة الكريمة التي ذهبت هباء منثورا.

الانقلاب ومنذ يومه الأول، جاء لينتقم من كل مكونات ثورة يناير، ومطاردة قناة ‘الجزيرة’ منذ اللحظة الاولى تأتي في هذا السياق، والعداء للإخوان، هو على هذه القاعدة، والآن اخذ الانقلاب مجراه، فهو لم يعد بحاجة الى غطاء ثوري، يعوقه عن أداء المهمة المنوطة به، بإعادة زمن حسني مبارك كاملاً، يحل عبد الفتاح السيسي محل مبارك فيه، فكان الجهر بالمعصية.

فالى أولادي المغرر بهم، لقد حلت الفكرة، فـ’الحداية لا تلقي كتاكيت’ ونظام مبارك لا يمكن أن يكون منتمياً لثورتنا، بأي درجة، فلا تكونوا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاهه وما هو ببالغه.