الجمعية العامة للأمم المتحدة جهاز صوري بقرارات غير ملزمة لا دور لها في تغيير الأوضاع الكارثية في العالم

تعتبر الجمعية العامة للأمم المتحدة واحدة من الأجهزة الستة لهيئة الأمم المتحدة ، وتنضوي تحتها أجهزة فرعية ، ولها مهام لا تتجاوز تعيين الأعضاء غير الدائمين أو المؤقتين في مجلس الأمن الذي تتربع فيه على الدوام  الدول صاحبة الفيتو ، وأغلبها الدول التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية ، كما أنها تشرف على ميزانية الأمم المتحدة ، وتقدم قرارات أو توصيات غير ملزمة ، وتعتبر رمزية من الناحية السياسية  .

وتعقد هذه الجمعية لقاء سنويا ،  منذ  تأسيسها سنة 1946 عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ويكون هذا اللقاء عبارة عن جلسات خطابية ،يتناوب خلالها رؤساء أو ممثلو دول العالم على منصة الخطابة للتعبير عن وجهات نظرهم ، ويتحكم في حضور تلك الجلسات  نوع العلاقات السائدة اختلافا أو اتفاقا  ، وبهذا الاعتبار قد تغص قاعة الجمعية بالحضور أو قد  تشغر .

وكالعادة حلت هذا العام الدورة الثامنة والسبعون ، ودار لقمان على حالها كما يقول، حيث تناوب بعض رؤساء وممثلي الدول على منصة الخطابة للكشف عن خلافاتهم العميقة أو لنشر غسيلهم خصوصا دول الفيتو  ، ورمي بعضهم البعض بالتهم مع ظهور جميعهم بمظهر المحق الذي يحترم القانون والشرعية الدولية  علما بأنهم جميعا يدوسون على  تلك الشرعية، و لا زالوا يتصرفون بمنطق  الدول  المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ، وتصرف المالكين لأسلحة الدمار الشامل التي يلوحون باستخدامها بين الحين والآخر . وأول ما تنتهكه الدول الدائمة العضوية هو قرارات وتوصيات الجمعية العامة التي تراكمت خلال عقود دون أن ترى النور على مستوى التفعيل والتطبيق.

وتتحول لقاءات الجمعية العامة  إلى مضمار خطابي يتبادل فيه رؤساء أو ممثلو الدول التي بينها خلاف أو عداوة تراشق التهم ، ويجرم بعضها بعضا ، وكلها تدعي وقوف الحق إلى جانبها . ويأتي لقاء هذه السنة ، والأوضاع في العالم جد مزرية أو كارثية  بسبب حروب عبثية  يحكمها منطق الغاب الذي يأكل بموجبه القوي الضعيف ، وبسبب تجاهل إو إهمال  قضايا عادلة لا زالت معلقة لعقود ، وبسبب تمادي الدول الصناعية الكبرى في الاعتداء الصارخ على الطبيعة بالتدمير الممنهج ، وبسبب اضطهاد الأقليات خصوصا  المسلمة في الصين والهند ، ومينمار ، وبسبب الإساءة الوقحة إلى مقدسات المسلمين ، مع التضييق عليهم في بعض الدول الغربية العلمانية " فرنسا  والسويد والدنمارك نماذج " .

ولا زالت القضية الفلسطينية العادلة ، والتي يتحمل مسؤولية تضييعها الاحتلال البريطاني الذي رحل عنها، وقدم أرض فلسطين هدية على طبق من ذهب لكيان صهيوني مختلق لم يكن له وجود من قبل على حساب  وجود شعب كان فيها منذ آلاف السنين.

ولا زالت  بعض دول الفيتو مترددة في الاعتراف بسيادة المغرب على ربوع صحرائه  لما يقرب من خمسة عقود ، وبعضها الآخر يحاول مقايضة اعترافه بها مقابل الحصول على مصالح أو امتيازات مع أن القضية عادلة  لا غبار على عدالتها  حيث تمت تصفية الاستعمار الإسباني من ربوع مغربية ، علما بأنه لا زال يستعمر أجزاء من وطننا يتعين عليه الرحيل منها لتكتمل تصفية استعماره لها. ولقد اغتنم  حكام العسكر المنقلبين على الشرعية في الجزائر الفرصة لتسويق مقولتهم المستهلكة التي يزعمون فيها الدفاع عن جمهورية وهمية فوق ارض مغربية  لم يكن لها وجود من قبل ، وذلك من أجل التمويه على ما قام به المحتل الفرنسي من اقتطاعات صارخة من التراب المغربي وضمها إلى الجزائر التي كان يحلم أن تكون امتدادا لفرنسا جنوب البحر الأبيض المتوسط . وعوض أن يلتزم النظام الفرنسي بما يتطلبه الضمير من اعتراف صريح بسيادة المغرب على صحرائه التي كانت تحت الاحتلال الإسباني ، وعلى ما اقتطعه من أراضيه التي ضمت إلى الجزائر ، فإنه لا يبارح  ما يسمى بالمنطقة الرمادية بسبب مصالحه المادية فيها ، وهو كيان لا يخجل من الإصرار على مصالح غير مشروعة  في كل الأقطار التي كان يحتلها في القارة السمراء ، وقد دأب على إحداث انقلابات عسكرية فيها من أجل وصول قادة عسكريين يضمنون له استمرار استنزافه لخيرات شعوب تلك البلدان  التي تعاني من الفقر والمرض والجهل ، في حين ينعم الفرنسيون بالرفاهية . وبسبب تلك المصالح صارت الانقلابات العسكرية في الدول الإفريقية إما مقبولة من طرف دول الفيتو خصوصا فرنسا  في حال ضمان مصالحها أو مرفوضة في حال زوال تلك المصالح ، ولهذا اعتمدت تلك الدول الكيل بمكيالين بخصوص تلك الانقلابات التي تعتبر بعضها انقلابات على الشرعية والديمقراطية ، بينما لا تعتبر غيرها كذلك مع أنها هي الأخرى منقلبة على الشرعية والديمقراطية كما كان الحال في مصر والجزائر ، وغيرهما  حيث قتل الرئيس المصري الشرعي في السجن دون ان  تحرك تلك الدول ساكنا ، بينما نجدها اليوم تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل رؤساء أطيح بهم  ممن كانوا يبيحون لفرنسا خيرات شعوبهم.  

ومع كل هذه المشاكل وغيرها لا زالت الجمعية العامة تعقد جلساتها الصورية ، وتوصي بتوصيات أو تصدر قرارات لا تساوي الحبر الذي تحرر به ، وتوضع في أدراجها تحت أرقام  تطالب الدول المظلومة بتفعيلها دون  جدوى .

ومن المثير للسخرية أن يعلو رؤساء دول  وممثلوها منصة الخطابة لاستعراض  ما يعتبرونه إنجازات لصالح شعوب العالم ، وهم من يصنعون مآسي كثير من تلك الشعوب عن طريق اختلاق أزمات اقتصادية حادة ، وأزمات صحية ، وأزمات أخلاقية أيضا ،نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر استهداف النواة الصلبة للمجتمعات ألا وهي الأسرة من خلال تسويق الانحلال الخلقي ، والانحراف بالغريزة الجنسية عما تقتضيه الفطرة البشرية السوية ، وذلك بالتشجيع على العلاقات الجنسية الشاذة التي باتت تعرف بالعلاقة المثلية بين افراد الجنس الواحدة والتي هي تهديد للجنس البشري على المدى البعيد . وفي هذا الإطار تتعرض الطفولة البريئة إلى جريمة شنعاء حيث  صارت بعض الدول تلقنها في المؤسسات التربوية الشذوذ الجنسي قبل نضجها وتشجعها عليه ، وقد صارت منظمات تابعة للأمم المتحدة متورطة في هذه الجريمة بدعوى الدفاع عن الحريات ، وعلى رأسها ما يسمى بالحرية الجنسية التي هي عبارة عن ابتذال للكرامة البشرية ، والنزول بها إلى درك البهيمية .

فإلى متى ستظل الجمعية العامة مجرد مهرجان خطابي لا تفعل قراراتها، بينما يظل تفعيل القرارات الجائرة بيد دول الفيتو المالكة لسلاح الدمار الشامل ؟؟؟

وسوم: العدد 1051