أرجو التوقف عن نكأ الجراح، وعن الإحراج

ولو كنت أرضى إعطاء الدنية في ديني، ومن نفسي ومن عرضي، لعدت إلى سورية منذ 1984.. حين عرض حافظ الأسد فرصة تسوية الوضع، وأن يعود من المعارضين الإسلاميين، كل من يقبل بالقانون 49/ 1980/ وتحت سطوته. وأعترف لكم اليوم وعاد يومها جمع غير قليل من الإخوان المسلمين وأنصارهم، ولكل إنسان حين يقتنع بالأمر علل وإن كانت زرق العيون. وكان فريق كبير قد أبى، وكنت -بفضل الله عليّ- ممن أبى ورفض ودعا إلى الرفض...

واليوم ليس لي سلطان على الناس. حين يتصرفون . وإنما أنا رجل واحد. أحفظ من قول ربي: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) وأسأل الله أن يعينني على الوفاء. وأدعو لوطني وأهلي بخير. ومن أول يوم عرضتُ مظلمتي وقلت: الله يهني سعيد بسعيدة. وكتبت لكم وراجعوا: إذا كان خلاص الشعب السوري لا يتم إلا بإعدامنا، فهنيئا لشعبنا السوري خلاصه.

أرجو من الأحباب والأصدقاء جميعا أن يتوقفوا عن العبث بجراحنا أو جراحي...

أدعو لسورية الحبيبة بخير.. وأدعو للقائمين على أمرها بخير. وأؤكد أن الله هو الموعد...وأنشد:

وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن خاف القلى متعزل

ويظلون يسألونني: لماذا لا تعود؟؟ ولا أدري إن كان السؤال تجاهل العارف.. أو استفزاز المستفز؟؟

ومما قرأت في سيرة سلطان العلماء، العز بن عبد السلام أن السلطان نجم الدين أيوب خرج يوما على المصريين في زينته، وقالوا وكان جبارا بطاشا.. فنادى عليه شيخ الشام... وكنا نتوقع من شيخ الشام في هذا العصر أن ينادي!! نادى العز السلطان الكبير على أيوب السلطان الجبار: يا أيوب ماذا ستقول لربك إذا سألك عن كذا وكذا من المظالم عددها له... فأجابه السلطان أيوب محرجا : هذا من زمان أبي .. فضحك الشيخ وقال: وأنت أيضا من الذين يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ)!! لعلهم يقولون هذا من زمان حافظ وبشار، نعم هذا من بعض ما ورثتموه ابتلاء، لينظر الله كيف تعملون!!

والله إنني لا أفكر في عدالة انتقالية على هذه الأرض، بل أصمت وأحتسب ، حتى الشوكة أشاكها، وحتى المضغة يتفكه بها الفكهون في مظلمتي!! ولقد تعلق القانون الذي حكم عليّ بالإعدام بعنقي خمسة وأربعين عاما من ضمنها الشهور الستة الأخيرة...فانتقل الملف من عنق إلى عنق... فليعدوا للمسألة جوابا...

وفي الحديث: يتعلق المقتول بعنق القاتل يوم القيامة، ويقول: يا رب سل هذا فيم قتلني... وإذا كنت لم أقتل حتى اليوم فهو لطف الله والقدر..

أؤكد هذا وأقول: والله إنه جد وليس بالهزل.

وأرجو من كافة الأصدقاء والأحباب أن يتوقفوا عن وضع أصبعهم في عيني. فمن طبعي وقد فرضت علي معارك كثيرة في حياتي، فأبيتها، إلا أنني رفعت ملفاتها إلى الله. وأخذت على نفسي العهد أنني إذا رفعت ملفا إلى الله، أن لا أظل أبدئ وأعيد فيه...

وقد وقعت عليّ في حياتي الخاصة والعامة مظالم كثيرة، ويسألني العديدون ولم لا تدافع عن نفسك؟؟ وركنت إلى قول ربي (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) وكان آخر هذه المظالم مظلمة استجرار الحكم بإعدامي...ولن أبدئ أبدئ ولن أعيد..

وإنما أقول: والله الموعد .. والله الموعد.. والله الموعد..

إذا قيل هذا مورد رنق قلت قد أرى .. ولكن نفس الحر تحتمل الظما

والله وتالله وبالله.. لا أدافع عن إمارة ولا عن وزارة ولا عن أي لعاعة من لعاعات الدنيا، يتنافس عليها متنافسون!! وإنما أدافع عن حقي في أن يشهد لي أنني كنت على حق عندما حكمت على حافظ أسد بأنه مستبد ظالم فاسد، وطالبت بمقاومة استبداده وظلمه وفساده، وكان الحكم عليّ بالإعدام من مخرجات استبداده وظلمه وفساده.. ثم كان الذي ترون، وأن أضع القوم في موضع الرجاء. فبأي ذريعة وتحت أي عنوان!!

وأدافع عن حقي ف مكان سجدة لساجد مأموم في آخر الصفوف في مسجد من مساجد بلدي.. ولست لأحد على تراب هذه الدنيا بخصيم...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1127