رسالة إلى شيخ الأزهر

الحبيب بن طاهر

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

من :الحبيب بن طاهر

السلام عليكم ورحمة الله

إنّ من غريب ما يقف عليه المسلم في عصر دولة ما بعد الاحتلال سكوت كثير من علماء الإسلام عن المنكرات التي ترتكب من قبل الحكام. والأغرب من ذلك أن يكون هذا السكوت من الذين يتربّعون على عروش المؤسسات الدينية، من مفتين ورؤساء مجالس إسلامية وعمداء جامعات إسلامية، وشيوخ هيئات كبار العلماء..الخ؛ يستفيدون من هذه الألقاب العظيمة ويغنمون من غنائمها، ولكنّهم يتبرّؤون من مغارمها.

 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حكم شرعي معلوم من الدين بالضرورة. ومعلوم أيضا أنّه من أخصّ مهامّ العلماء، أليس قد أجمع العلماء أنّ مراتب الأمر بالمعروف ثلاثة، وأنّ مرتبة الأمر بالكلام هي للعلماء. وأنّ الله تعالى أناط خيرية هذه الأمّة بتحقّق هذا الحكم فيها، وأنّها بخير وأنّ الإسلام قائم ما أقام المسلمون هذا الحكم فيهم.

 وهنا أسأل شيخ الأزهر، أليس ما حدث في مصر في ميداني رابعة والنهضة من القتل والحرق للناس بدون جريرة شرعية يستحقون عليها القتل والحرق يعتبر جريمة في ديننا، ويستحقّ منكم بيانا، تندّدون فيه بما أجمع عليه العالم من أنّ ما حدث مجزرة، وقتل جماعي، وإبادة جماعية.

 أين علمكم بأنّ السكوت عن المنكر كبيرة عند الله تعالى، أم إنّكم ترون أنّ ما حدث من زهق للأرواح بغير حقّ شرعي جائز، فسكتّم عن ذلك إقرارا له، ألا تعلمون أنّ سكوت العلماء إقرار، أفتونا وبيّنوا للأمّة ذلك، وفسّروا لنا قول الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ ) [الإسراء:33]، فهل قتلت هذه الأنفس التي تعدّ بالمئات بحقّ أم بغير حقّ؟

 أنا لن أناقشكم في رضاكم بأن تكونوا غطاء شرعيا لعزل الحكام تنصيب حكم العسكر ببلادكم، وأن تجرّوا وراءكم مؤسسة عتيدة كالأزهر الشريف في هذا الموقف، فقد يبدو لكم أن تستعرضوا براعتكم في تجويز موقفكم بناء على النظر المقاصدي، هذا النظر الذي هدم به كثير ممن يتعمّمون بعمائم الدين أركان الشريعة وأهدروا به أحكامها. على أنّ الفرصة الآن سانحة لكم بمراجعة ما اعتمدتم عليه من ترجيح المصالح والمفاسد، وأنّه آل إلى مفاسد عظيمة، ولتتذكّروا ـ وأنتم تعلمون لا محالة ـ أنّ هذا الترجيح لا يصار إليه إلاّ عند فقدان النصوص الشرعية وأقوال أئمّة المذاهب، مع أنّ هذه المسألة لا يرى غيرك من علماء الأمّة المتابعين للشأن المصري أنها تفتقد للنصوص الشرعية وأقوال علماء الأمّة السابقين.

 إنّ مشيخة الأزهر حمل عظيم وعبء ثقيل يا شيخ الأزهر، وليست تشريفا وزينة. وإنّها يراها المسلمون في أقلّ أحوالها قائمة بالقسط بين الناس، وناطقة بالحقّ، سندا للضعفاء والمقهورين، لا تهتدي إلاّ بشرع الله دون توظيف سياسي، ولا تعمل إلاّ لإقامة شريعة الإسلام في الأرض.

 وهنا نسألكم ما سيكون موقفكم من الدستور حين يغيّره الذين ساندتهم في انقلابهم ويضعونه على مقياس الغرب الذي يرفض الإسلام دينا للدولة، والشريعة مصدرا للتشريع؟ نرجو منكم أن توضّحوا لشعبكم وللأمّة موقفكم من هذه القضية.

 هذه رسالة ناصح، أذكر بها نفسي أوّلا، وكلّ من ينتمى إلى العلم الشرعي ثانيا، وإلى الهيئات الشرعية في عالمنا الإسلامي ثالثا، حتى نعيد صياغة موقع علماء الشريعة في المجتمع، في عصر ما بعد الثورات التي منّ الله تعالى بها على الأمّة، وأزاح بها أنظمة الاستبداد والقهر والتسلّط، هذه الأنظمة التي تجاوزت في تسلّطها إلى أن وظّفت الدين الإسلامي والمؤسسات الدينية والهيئات الشرعية لإضفاء الشرعية على نفسها.

 فنقول: أما آن لهذه المؤسسات والهيئات والشخصيات أن لا تعمل إلاّ لحساب الإسلام، دون ولاءات حزبية ولا مطامح سياسية؟.