الربيع العربي.. والشرق الأوسط الجديد !!

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

اشتاقت الشعوب العربية للحرية فانتفضت وكسرت جدار الصمت وثارت على أنظمتها الديكتاتورية وأسقطت بعض طغاتها ، ومازالت تكافح وتثور من أجل نيل حرياتها المسلوبة من عقود وتحقيق كرامتها الانسانية المهدرة ، لكن فى الوقت نفسه ليس الطريق إلى الحرية معبداً كما كان يعتقد البعض أو يظن بما يكفى لإقامة نظم عربية جديدة تكون الأمة فيها بحق مصدراَ للسلطات جميعاً كما تقرر دساتيرها المكتوبة ، فهناك عدو يترقب ويخطط وله مشاريعه المناهضة لهذه الأحلام والطموحات التى تحلم بها شعوب المنطقة ، وكلنا يعرف مشروع الشرق الأوسط الجديد الذى روجت وعملت له أمريكا كثيراً من أجل حماية أمن اسرائيل والذى يهدف إلى إعادة ترسيم المنطقة عبر تقسيم دولها إلى دويلات متشرذمة ومتناحرة باستمرار يغلب عليها طابع النزاعات العرقية والطائفية والمذهبية ، ويبدو أن هذا الحلم والمخطط الخبيث تحاك وتتشكل ملامحه على أرض الواقع ويجدون فى تنفيذ فى هذه المرحلة الانتقالية التى تشهدها دول الربيع العربي سيما مصر والتى تشكل قلب العالم العربي ، وسوريا وما تعانيه من جراحات دامية فى طريق ثورتها المباركة .

ومن الواضح والمؤكد أن إيران دخلت قلب المشهد ، وأصبحت طرفاً أساسياً فى اللعبة وصارت أداة تنفيذية و محوراً لرسم خارطة الشرق الأوسط الجديد الذى رسمته أمريكا وباركه الغرب وتبناه ويدعمه ، إما بتواطؤ أو اتفاق مسبق ، ويسعى هذا المخطط إلى تحقيق الغايات الآتية :

1 - تعزيز وحماية أمن الكيان الصهيوني المغتصب فى فلسطين ، بإضعاف دول الطوق المتاخمة لاسرائيل ، مصر وسوريا والأردن ولبنان فضلاً عن تغذية وتجذير الانقسام الداخلى الفلسطينى ، وهذا هدف استراتيجى للحفاظ على معادلة الصراع (العربى – الاسرئيلى) فى المنطقة  .

2 - تقسيم الدول العربية سيما دول الطوق إلى دويلات عرقية وطائفية وبدأت بالسودان كنموذج عبر تقسيمه على أساس طائفى (مسلم - مسيحي ) لخنق مصر وإذكاء الصراع حول مياة النيل وافتعال الأزمات بين دول المنبع والمصب كما هو حادث الآن بين مصر واثيوبيا ، وفصل سيناء عن مصر عبر إشعال حركات التمرد وتعزيز وجود العصابات الإرهابية المسلحة فيها لطرح فكرة حق تقرير المصير، واللعب على الورقة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين من آن لآخر ، و تقسيم لبنان إلى دولة طوائف وهو محقق فعلاً على أرض الواقع ، وتقسيم سوريا إلى دولتين علوية شيعية من جهة ، وسنية من جهة أخرى، ، وتقسيم العراق إلى دويلات ثلاث شيعية وسنية وكردية، ويضطلع المالكي بتنفيذ هذه المؤامرة الخبيثة الآن بدوافع طائفية بغيضة .

3 - تشجيع وتغذية النزاع الطائفي، الذي تتصدره ايران وتؤلب عليه وتدعمه كما فعلت في لبنان والعراق وأخيراً بالمجازر الدموية غير المسبوقة التى يرتكبها ذراعها حزب الله اللبنانى ، وعبر قوات الحرس الثوري التى ترسلها تباعاً الى أتون حرب طائفية لاتٌبقى ولاتذر فى ربوع الشام ، لتجذير الانقسام وتحفيز الحروب بين الدول العربية ، والدور الذي يمكن أن تتولاه ايران باعتبارها طرفاً مضطلعاً بذلك، وهو ما سيقود إلى نزاعات مسلحة وحروب تستنزف دول المنطقة وتدمر بنيتها ، وتحول بينها وبين استقرارها ، وتجهض ربيعها العربي وليس نموذج ما يحدث فى سوريا الآن إلا دليلاً فجاً على طبيعة هذه الغاية الخبيثة .

4 – وفى خضم هذا الصراع المذهبى والطائفى يبيع الغرب ترسانة من الأسلحة المتنوعة لدول المنطقة لتغذية النزاعات المسلحة، التي تمثل ايران محورها ومحركها الأساسي ، والتي صارت أداة تنفيذية للغرب بعدما عزز حلمها بتصدير الثورة الايرانية  لإقامة الهلال الشيعى تمهيداً لنزول المهدى المنتظر وفق فكر المشروع الصفوي المارق ، علاوة على استنزاف قدرات وأموال الدول العربية بصورة مستمرة جراء شراء هذه الترسانة من الأسلحة  المدمرة.

5- وهناك محاولة جادة لازاحة وإرباك الظهير التركي عبر افتعال مظاهرات داخلية  لامبرر لها فى ظل نظام حقق طفرة اقتصادية فى العشر سنوات الأخيرة وحقق الكثير من الانجازات لشعبه ، والذى انحاز لشعوب المنطقة ويدعم دول الربيع العربي فى تجاوز مرحلتها الانتقالية وتحقيق مسارها الديمقراطى ، والذى يقوم بدور كبير للحيلولة دون تقسيم سوريا و يعترض على ما يدور هناك ، وسيتضرر من أى محاولة لتقسيمها.

هذه بعض ملامح مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يسعون لتنفيذه لاجهاض الربيع العربي ، والذى بدأت تتجلى مخاطره واسقاطاته وأطرافه المنفذه والداعمة له ، وهو مخطط يتطلب من الدول العربية وعياً دقيقاً وتحركاً عاجلاً وحشداً عربياً واسلامياً لإفشاله ، ولعل الدور الأساسي والرهان الحقيقى يتمثل في تشكيل حائط صد قوى لهذا المخطط التأمرى والاستعمارى الجديد قبل فوات الآوان ، ويقع الدور الأكبر فيه على دعم دول الخليج العربي وتركيا لمصر فى تحقيق استقرارها الشامل فى أقرب وقت ممكن ، ودعم بقية الدول لها ، وتشكيل محور جديد تتزعمه مصر وتركيا والسعودية مقابل للمحور الغربي والذى انحازت له إيران مؤخراً لتحقيق مشروعها الصفوي الطائفى على حساب الأمتين العربية والاسلامية .