إلى المُشفِقِينَ على الثورة: دَعُوْهَا فإنَّها منصورة

إلى المُشفِقِينَ على الثورة:

دَعُوْهَا فإنَّها منصورة

محمد عبد الرازق

لي من جملة الأصدقاء صديقان: شابٌ فتيٌّ، و شيخٌ كهل. و كلاهما مناصرٌ للثورة، غير أنهما مُشفِقان عليها ممَّا يسمعان، و يريان من الأخبار، و الأحوال التي تمرُّ بها.

ذات يوم أرسلَ الأول منهما صورةً على مواقع التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) لمدينة حلب، موشحة بالسواد. و قد بررَ ذلك بأنها في كربٍ، و شدةٍ، و بأس؛ بسبب ما دهمها من الخطر عندما تقدمت قوات الأسد نحو مؤسسة الإسكان العسكري في منطقة الشيخ سعيد، و سيطرت عليها بالتزامن مع الحملة الإعلامية التي روَّجت لها أبواق الأسد من أنّ تحرير حلب على وشك الانجاز من عصابات الإرهابيين.

و أمَّا الثاني فهو لفرط ثقته بنفسه على تمحيص الأخبار؛ يقوم باستقاء الأخبار عن الوضع السوري من القنوات الرسمية للنظام، أو الحليفة له، إلى جانب القنوات الأخرى كالجزيرة، و العربية. و تراه يحدثُ الناس بالأخطار المُحدِقة التي تحيط بالثورة السورية، و بحجم المؤامرة التي تنتظرها، و أنّها لا تكادُ تستقرّ على ما يسرُّ الناسَ، حتى يأتي ما يدعو لليأس و القنوط من وصولها إلى مبتغاها؛ و عليه فإنَّ الناس قد أخطأت التقدير، و لم تتعظ من درس الثمانينات.

نعمْ، إنَّ الأمور ليستْ كما نريدُ، و نتمنّى من سرعة الحسم، و إنجاز النصر في وقت قصير كما كان يظنّ كثيرٌ من المتابعين للشأن السوري؛ و ذلك أنَّ ما يحصلُ في سورية قد خرج عن إطاره المحليّ، و أصبح أمرًا ذا بُعد إقليميّ، لا بلْ دُوَليّ.

الأمر الذي عقَّد المسألة كثيرًا، و جعلَها متعددّة المسارب؛ فضلاً على ما يشوبها من هَنَاتٍ محليّة لا تخفى على السوريين، و غيرهم من المتابعين لمجريات الأحداث.

إلاَّ أنّ الذي ينبغي أن يُقال، و يُسمع من لدن هؤلاء أنّ الثورة السورية لمْ تستشرْ أحدًا عندما انطلقت شرارتُها الأولى على يد أطفال درعا، و ليس لأحد فضلٌ عليها في ذلك؛ فهي إنْ انتصرت ـ بعد عون الله ـ فبقِوَاها الذاتية، و إنْ كانت الأخرى فلنْ تستجدي العطف عليها من أحدٍ أيضًا.

و عليه فيكفي هؤلاء المُشفقين جلدًا لها، فهمْ إن أرادوا المثوبة و الأجر فلنْ يُعدَمُوا الوسيلة، و إنْ كانوا يفتشون عن الأعذار فهي غنيةٌ عن قراريطِهم، و إشفاقهم عليها.

و لكنّ ما غابَ عن أنظار هؤلاء، و أولئك مَّنْ لا يفتأُ يندُبُ حظَّه أنَّه قد وُلِدَ في زمن كثرة الفِتَن، أنّ الثورة قد قطعَت أكثرَ شوطها، و أنّها قد تخطت مرحلة ( الأسد )، و انتقلَت إلى مرحلة ( الأحزاب الطائفية، و المرتزقة، و المتباكين )، و هو ما نراه عيانًا اليوم بدخول الميليشيات المسلحة من لبنان، و العراق، و اليمن، و أفغانستان، و أذربيجان، و حتى من متشيعة مصر، إلى الأراضي السورية بذريعة حماية نظام الممانعة من السقوط بيد أمريكا، و إسرائيل، و التكفيريين. و من ورائهم هؤلاء الشراذم تقف سيدتُهم ، و وليَّة نعمتهم ( إيران ).

و قريبًا ربما نرى ( إيران ) نفسها تُدشِّن المرحلة الثالثة و الأخيرة، من مراحل هذا النزال على أرض سورية بين شعبٍ خرجَ يريدُ حريته، لا يلوي على شيء، و بين نظام متهالك على التشبث بالسلطة، و لو بحرق البلد كي يبقى ( الأسد ).

يا سادة لو نظرَ أحدُنا ـ مُنصِفًا ـ لرأى الخطَّ البيانيّ للثورة السورية في صعودٍ متنامٍ، في مقابل تدنٍ واضح لقوى نظام الأسد.

و دونَكم أمثلةً، لا مثالاً واحدًا على ذلك؛ ها هي معركة ( القُصير ) قد دخلت أسبوعها الثالث، و لم يخرج علينا سيد الضاحية الجنوبية في سردابه من خلال شاشته العملاقة، مُعلِنًا تحقُّق النصر الإلهي المزعوم. لا بلْ أصبح خبر وصول جنائز قتلاه الملفّحة بلون بريد (D. H. L  ) أسرع إليه من تعليمات الوليّ الفقيه في ( طهران )، لقد أصبحت فاتورة قتلاه مفتوحة على مزيد من الحساب؛ فتجاوزت إلى حدٍّ الآن: 3/ حزيران / 2013م ( 246 قتيلاً )، و الفاتورة مفتوحة للمزيد منهم بعد توزّعهم على أكثر من جبهة في غير ( القُصير )، و جلُّهم من قوات النُّخبة كما تذكر وسائل الإعلام.

و ها هو وزير خارجية الأسد يهرول مُسرعًا إلى العراق، حيث وكيل الوليّ الفقيه الآخر ( المُلاّ نوري المالكي )، مُستنجدًا به كي يسعفه بعدد آخر من أفواج السياحة الدينية إلى المقامات المقدسة في سورية، مقابل إسالة لُعابهم بإعفائهم من رسوم تأشيرة الدخول إلى سورية.

و بالطبع لن يفوتنا الإشارة إلى عروض الضباط الأكرانيين، و الروس بتجنيد ( خمسين ألف مقاتل ) لمؤازرة الأسد، مقابل راتبٍ مُغرٍ، و شقة سكنية لكلِّ واحد منهم ( و بالطبع لا يهمّ أكانت في أكرانيا، أو في دمشق، حسب المتوفر ).

و لن يفوتنا في هذه المناسبة الإشارة إلى مسألة تنوّع مصادر التسليح للجيش الحر، بعد دخول غنائم حزب ولي الفقيه في لبنان على خط التسليح المجاني للجيش الحر، و هذا مخرجٌ جديد هيأه الله له، بعدَ ان عَلِمَ منهم صِدْقَ النية و الفعل.

و كان آخرَها اغتنامُ مدفع (106) مع كامل عتاده، و بيك آب مركب عليه رشاش دوشكا، و أكثر من (100) قذيفة دبابة، و سيارة جيب، عقب تصدى مجموعة ثوار لواء التوحيد، و فجر الخلافة، و ثوار القصير، لمجموعة من مليشيا هذا الحزب أرادت التسلل إلى القصير صباح الأحد ( 2/ حزيران/ 2013م )، فتمّ دحرهم، و من ثمّ محاصرتهم في معمل الأعلاف في الجهة الشمالية الشرقية من القصير، و دكّهم بمدافع ( 23 ) و ( 57 )، و الفوزديكا، بعد تدمير (3 ) دبابات لعصابات الأسد، و (6 ) بيك آب، ومقتل أكثر من ( 35 ) جنديّ طائفي لبناني.

و من توفيق الله للجيش الحر تمكنه من إلقاء القبض على سيارة بلوحات سورية محملة بـ (400 ) كلغ من المتفجرات في معبر باب الهوى، في طريقها للدخول إلى تركيا للقيام بأعمال تخريبية.

و سرد قائمة النجاحات تطول، و تطول في كلّ ساعة تمرّ على هذه الثورة المباركة، و يقينُنا أنّ الله لن يخذل ثورةً أشعلتها يد أطفال أبرياء، كتبوا بشكل عفويّ في مدارس درعا: يسقط، يسقط  النظام.