التطرف العلماني يوشك أن يقضي على فرص التعايش؟!(6/8)

التطرف العلماني

يوشك أن يقضي على فرص التعايش؟!(6/8)

-الجزء السادس-

سري سمور/ جنين ـ فلسطين المحتلة

[email protected]

[email protected]

 (7) تهمة استغلال الدين والمتاجرة به

ومن التهم التي لا يكل العلمانيون واليساريون والليبراليين عن رمي الإسلاميين بها ولا يملون، تهمة استغلال المشاعر الدينية عند الشعوب، والمتاجرة بالدين لتحقيق أهداف سياسية؛ وهذا كلام سخيف، ولكن لأن القوم يتبعون نصيحة ناصحهم بأن عليك أن تكذب ثم تكذب ثم تكذب...وجب الرد عليها، مخافة أن البعض قد صدقها؛ فالإسلاميون التزموا بما سمي عدم استخدام الشعارات الدينية في الدعاية الانتخابية، مثل شعار «الإسلام هو الحل» مع أنه شعار يعبر عن تصور وفهم للحياة، مثلما ينادي كتبة العلمانية ومتحدثوها علنا صباحا مساء بأن العلمانية هي الحل، ومثلما يؤمن وينادي الماركسيون بأن الماركسية هي الحل رافعين الرايات الحمراء، ويؤكد المرحوم محمد الغزالي (المعاصر) أن كل منهج حياة هو دين...لم يدخل الإسلاميون في هذا الجدل والتزموا، بل إن الشيخ راشد الغنوشي، رفض أن يجري مقابلة صحافية داخل المسجد، ما دامت ستتناول الشأن السياسي...فما المطلوب من وجهة نظر العلمانيين؟أن تعلن الحركات الإسلامية براءتها من الإسلام؟سيقولون:لا، ولكن أن يبقى الإسلام بعيدا عن السياسة! ما معنى هذا، وما ذنب الإسلاميين في أنكم تريدون إسلاما على مقاسكم، وهناك في الإسلام رؤية للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية...ومع ذلك وافق الإسلاميون على أن تكتب الدساتير بمشاركة الجميع، فانسحب علمانيون بعد أن صاغوا نصوصا فيها، ووافق الإسلاميون على عرض الدساتير للاستفتاء العام...ولكن العلمانيين ازدادوا تعنتا وتعصبا!

أما القول بأن الإسلاميين يعدون من ينتخبهم بالجنة، ويتوعدون من لا ينتخبهم بالنار، فهو قول ينقضه قول آخر لهم بأن الإسلاميين يستخدمون السكر والزيت لرشوة الناس ودفعهم لانتخابهم؛ فهل يستخدم الإسلاميون الوعد بنعيم الآخرة الآجل، أم يقدمون شيئا من نعيم الدنيا العاجل؟أم أن هذا كذب وافتراء؟ وهذا يعتبر استهتارا بحجم الوعي الشعبي، فهل الناس سذجا بنظر العلمانيين حتى يتلقوا وعد الجنة من أي إنسان ما خلا سيد الخلق محمد-صلى الله عليه وآله وسلم- أما إذا كان هناك من ينتخب الحركات الإسلامية لأنها تـقدم نفسها بناء على هويتها وعقيدتها، فهذا أمر لا فكاك منه، ومع أن الإسلاميين يلتزمون بعدم رفع الشعارات التي يسميها العلمانيون دينية، إلا أنهم يبقون في نظر الجمهور يحملون المشروع الإسلامي، ويقدمون للناس تصوراتهم انطلاقا من هذا المبدأ، فليس هذا ذنبهم ولا يعقل أن يقولوا نحن اتجاهنا غير إسلامي لإرضاء العلمانيين...أما ما قيل عن تركيا فلتركيا وضع مختلف وخاص، ومع ذلك فالجمهور التركي العريض ينظر لحزب الحرية والعدالة وقبله السعادة والرفاه على أنها حركات تنطلق من أرضية فكرية إسلامية ولو قالت عن نفسها بأنها علمانية!

 

(8) تهمة تقييد الحريات...والتعري

 

يخال لي أن مشكلة العلمانيين والليبراليين تتلخص بخوفهم على الحريات المتعلقة بشرب الخمور، والعلاقات الجنسية غير المنضبطة، فهذا أكثر ما يثيرونه، ومع أن الحركات الإسلامية التي تشارك في الحكم، أو تحكم، اختارت فقه الأولويات للتعامل مع هذه الظواهر، وهو ما أثار حنق وسخط حركات إسلامية عدة منها حزب التحرير والتيار السلفي، ومع ذلك لم يرض العلمانيون، فإذا كانت الخمور والملاهي الليلية و«الكباريهات» موجودة ولها روادها فماذا يريدون من الإسلاميين؟هل يريدون من الرئيس مرسي والشيخ الغنوشي شرب الخمر أمام الكاميرات مثلا؟

أما التعري أو رفع الملابس الداخلية أمام بعض المقرات، فهو أمر شائن، ولا يدخل تحت عنوان الحرية الشخصية، ومن يقمن به يتعدين على حرية غيرهن، وحتى في أوروبا أم العري والانفلات الجنسي تصدت الشرطة للنسوة اللواتي تعرين احتجاجا على ما يزعمن أنه تسلط إسلامي؛ ومن الغرائب والعجائب أن تتظاهر بعض المتعريات في فرنسا ضد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، وهو علماني زوجته لا تلبس الحجاب؛ ماذا يردن؟يبدو أنها حرب من أجل التعري لا ضد الحجاب فقط، ومشكلة المرزوقي من وجهة نظر العلمانيين أنه حليف أو شريك لحركة النهضة، علما أن تـفاهماته مع النهضة هو وكثير من العلمانيين والإسلاميين، وتقديمهم تصورا مكتوبا للدولة والمجتمع، سبقت الثورة بعقدين، ولكن يبدو أن من العلمانيين من لا يـقبل أو لا يلتزم باتـفاق أو تـفاهم.

أما ما يرددونه حول ضرورة تحوّل الإعلام إلى منبر للشتم، بدعوى عدم إعادة إنتاج الدكتاتور؛ فمن الغريب والعجيب أن من قدسوا مبارك وزين العابدين، أصبحوا يرفعون هذا الشعار، ويتولون حملات الشتم والاستهزاء، بدعوى حرية الرأي والتعبير، فمنطق الأشياء يقول أنه لا يحق لهم، ثم هل حرية التعبير بأن يصفوا الإخوان بأنهم «خرفان» وأن ينشروا صورا مسيئة لا أخلاقية؟حتى في الدول التي تـقدّس حرية التعبير يمكن اللجوء إلى القضاء الذي قد يحكم بتغريم صاحب هذه الأفعال والأقوال ملايين الدولارات...ومع ذلك فالإعلام بمعظمه شغله الشاغل تشويه الإسلاميين، والتقليل من إنجازاتهم، والتضخيم من إخفاقاتهم، ولو باللجوء إلى الكذب، بل بامتداح العهد البائد، ولم يكن ثمة تعرض للإعلام خارج إطار القانون، وليس ثمة ما يمكن اعتباره قمعا أو تـقييدا للحريات المزعومة....ويوجه العلمانيون واليساريون والقوميون تهمة أخرى للإسلاميين وهي التحالف مع أمريكا، يضاف لها تهمة إثارة النعرات الطائفية ...وهو ما سأناقشه في الجزء السابع بمشيئة الله.....يتبع.