ثلاثية التفسير والتبرير والنقد, وعامان من الثورة

ثلاثية التفسير والتبرير والنقد,

وعامان من الثورة

د. حمزة رستناوي

[email protected]

لماذا لم تنتصر الثورة رغم مرور سنتين أسوة بثورات الربيع العربي الأخرى؟

و سأقترح ثلاثة نماذج  من القراءات:

 (1)

أولاً- القراءة التفسيرية : و يمكن هنا اقتراح عدة أفكار من قبيل : الطبيعة الاستبدادية المخابراتية للنظام السوري - الطبيعة الطائفية للنظام السوري –  ضعف  الوطنية السورية و وجود انقسام على مستوى الهوية – تلقي النظام لدعم اقليمي و دولي سياسي و عسكري فاعل- انقسام المعارضة السياسية و العسكرية على نفسها- عدم تلقي الثورة السورية لدعم عسكري  اقليمي و دولي فاعل حتى الآن..الخ.

(2)

ثانياً- القراءة التبريرية: و يمكن اقتراح عدة افكار من قبيل:

- مايجري هو أحد جولات الصراع السني الشيعي الذي عمره أربعة عشر قرنا , و لذلك لن يتلاشى  هذا الصراع في سنتين أو حتى عقدين من الزمن, و لذلك لا أمل في انتصار الثورة السورية!

- المجتمعات العربية و منها السوري هي مجتمعات طائفية  و عاش السوريون في طوائف لقرون خلت , و لذلك السلطة التي تحكم هذا المجتمع ستكون طائفية مثله, و هذا امر طبيعي .

-  إننا ندفع حاليا كسوريين ثمن سكوتنا على استبداد عمره نصف قرن , و هذا جزاء عادل نستحقه , و ما يجري لنا من معاناة و شدّة ما هو إلا تطهير و عقاب الهي على سكوتنا على مظالم  سلطة البعث و آل الاسد.

- المعارضة مُنقسِمة و مُشتَّتة في الداخل و الخارج لعدم وجود تقاليد و تجربة ديمقراطية راسخة لدينا في سورية, و هذا من نتائج حكم الأسد و هو المسؤول عن ذلك.

- ان استمرار الثورة السورية و عدم انتصارها رغم دخولها في العام الثالث , هو أمر مُتوقَّع و طبيعي ,فهذا حال الكثير من الثورات عبر التاريخ فالثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي استمرت لسبع سنوات و نصف, و الثورة الفرنسية لم تحقق اهدافها إلا بعد حوالي عشر سنوات.

- إن الثورة السورية لم تنتصر و لن تنتصر مالم يسلحها و  يدعمها الغرب, و لأن مصالح الغرب مع اسرائيل و نظام آل الاسد من وراء الستار , لذلك لا بديل عن التفاوض مع الأسد و نظامه حقناً للدم السوري .

- رغم استبداد النظام السوري و لكنه يبقى الوحيد المُتاح القادر على المحافظة على سوريا الموحَّدة , و هو القادر على حماية الأقليات , و هو أفضل من أعداءه الاسلامين الظلاميين .

(3)

ثالثاً- القراءة النقدية: و هنا يمكن اقتراح عدة افكار في سياقها من قبيل :

- من المؤكد وجود انقسام و اضطراب في الهوية الوطنية السورية ,و هذا  ليس بجديد على أيّة حال بل إنّه سابق للحقبة الأسديّة  , و قد ظهر هذا الانقسام و الاضطراب - سواء كان ذو طابع طائفي أو قومي – جليّا ً في مجريات الثورة السورية, و لكن المصلحة المشتركة  للسوريون تقتضي التأكيد على مشروع سوريا دولة مدنية ديمقراطية, دولة تقوم على الفصل الاجرائي بين الدين و السياسة لمنع انتقال الصراعات من البعد العقائدي الى البعد السياسي , مما يسهم  في بناء و ثبات أكثر للهوية الوطنية السورية مستقبلاً .

- صحيح أنه لا يمكن القضاء على الاختلافات القومية و العقائدية بين البشر و منهم السوريون , بل إن هذا الاختلاف و التنوع  عابر للتاريخ و الجغرافيا الانسانية, و ليس المطلوب أبدا القضاء عليه , و لكن لنبحث عن طريقة نحييد و نمنع فيه التأثيرات السلبية لهذه الاختلافات العقائدية و القومية عن الشأن السياسي العام, و بحيث لا يصبح الانتماء القومي و العقائدي امتياز أو نقيصة بين سوري و آخر.

- صحيح أن سوريا كانت موحده طيلة حكم آل الأسد لها, و لكن حزب البعث و آل الأسد ليسو هم من أنشأ سوريا ضمن حدودها الجغرافية الراهنة, فهي كانت موحّدة قبلهم , وهذا يعود لفترة الانتداب الفرنسي و إفشال مشروع تقسيم سوريا بارادة السوريين أنفسهم , و إن سياسات البعث و آل الأسد - التي استمرت حوالي نصف قرن - ذات الطبيعة الاستبدادية الاقصائية  الطائفية تتحمّل المسؤولية الأكبر في احتمال تقسيم الدولة السورية مستقبلا عبر تعميقها للانقسامات الطائفية و القومية بين السوريين, و لكن هذا لا يعفي الثوار و القوى الحيوية في سوريا من توقّع هذا الخطر المُحتمل و مقاومته عبر التأكيد على الدولة المدنية  القائمة على المواطنة المتساوية و احترام حقوق الانسان و حماية الاقليات و ضمان الحقوق الثقافية لها, و الذين يقاتلون النظام و يناصرون الدولة الدينية على اختلاف مشاربهم هم يساهمون أيضاً في تقسيم سوريا و تحويلها إلى دولة فاشلة أو دولة استبداد ديني ليس بالضرورة أن تكون أفضل حالاً من سلطة البعث و آل الاسد.

- صحيح أن السوريون يدفعون الآن ثمن الصمت و استحقاقات تعود لنصف قرن سابق , و قد تجلّى هذا في قمع و تصحير الحياة السياسية طيلة عهد البعث و آل الأسد , و لكن السؤال لماذا صمتوا ؟ و الذين لم يصمتوا منهم كيف  عبّروا عن رفضهم ؟ و لماذا عارضوا هذه السلطة ؟ ..الخ 

الحكمة تقتضي الاستفادة من التجارب السابقة في معارضة هذا النظام الاستبدادي و نقدها ,  و كذلك الاستفادة من تجارب آخرى قد يكون من أهمّها  جارتنا العراق , فالنظر إلى  ما يجري الآن بمنظور التكفير عن الخطايا  أو العقوبة الإلهية المستحقّة ينقلنا من حيّز الفعل إلى حيّز القنوط و الرضا و المراوحة التاريخية في المكان.